يا نَبِيَّ الله لهؤلاءِ المنافقينَ {أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} أي: في كونِكم طائعينَ أو كارهينَ لَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ منكم نفقةً؛ لأنه يعلمُ أنكم كفارٌ في الباطنِ، وصيغةُ الأمرِ في قولِه: {قُلْ أَنْفِقُوا} تقررَ في الأصولِ (?) أن مِنَ الصيغِ التي تَرِدُ لها (افعل) قَصْدَ التسويةِ بينَ الأَمْرَيْنِ، فَمِنْ أساليبِ اللغةِ أن تأتيَ بصيغةِ (افعل) تقصدُ بذلك أن تسويَ بين الأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بعدَ ذلك، ونظيرُه في القرآنِ: {فَاصْبِرُوا أَوْ لاَ تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} [الطور: آية 16] يعني: صبرُكم وعدمُه سواء لا ينفعُكم ذلك.
{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: آية 80] يعني: استغفارُك وعدمُه سواءٌ، لاَ ينفعُ استغفارُك ولاَ عدمُه، كذلك قولُه هنا: أَنْفِقُوا طَائِعِينَ أو مُكْرَهِينَ لاَ ينفعُكم ذلك الإنفاقُ؛ لأن اللَّهَ لاَ يقبلُ أعمالَ الكفرةِ. وهذا معنَى قولِه: {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [التوبة: آية 53] طوعًا أو كرهًا: مصدرانِ مُنَكَّرَانِ في موضعِ الحالِ. أي: في حالِ كونِكم طائعينَ أو مكرهينَ. وإتيانُ التسويةِ بين الأمرينِ بصيغةِ (افعل) معروفٌ في كلامِ العربِ، ذَكَرْنَا له أمثلةً في القرآنِ العظيمِ، ومن أمثلتِه في كلامِ العربِ قولُ كُثَيِّرِ عزةَ (?):
أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لاَ مَلُومَةً ... لَدَيْنَا وَلاَ مَقْليَّةً إِنْ تَقَلَّتِ
يعني: إن أَسَأْتِ أو أَحْسَنْتِ إلينا فَكُلُّ ذلك سواءٌ لاَ يُغَيِّرُ وُدَّنَا القديمَ بالنسبةِ إليكِ.
وقولُه: {لَّنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ} لن يقبلَ اللَّهُ نفقتَكم. قال بعضُ