(هل) استفهامٌ بمعنَى النفيِ، ما تنتظرونَ بنا عاقبةً إلا عاقبةً هي إحدى الْحُسْنَيَيْنِ. الْحُسْنَى: تأنيثُ الأحسنِ، وَتُجْمَعُ على الحُسَنِ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ، تقول: هذه الأُنْثَى هي الْحُسْنَى، أي: الأحسنُ من غيرِها. وَتَجْمَعُهَا على الحُسَنِ بضمٍّ فَفَتْحٍ كما هو معروفٌ في محلِّه. فَالْحُسْنَى صيغةُ تفضيلٍ، وَالْحُسْنَيَيْنِ تأنيثُ الْحُسْنَى، وهي صيغةُ تفضيلٍ. والمعنَى لاَ تنتظرونَ بنا إلا إحدى خصلتينِ كلتاهما أحسنُ من غيرها:
إحداهما: أن نغلبَ أعداءَنا وينصرَنا اللَّهُ عليهم فَنَظْفَرَ بالنصرِ والغنيمةِ وَرِضَى اللَّهِ (جلَّ وعلا)، وهذه الخلةُ لا يوجدُ أحسنُ منها، فَعَاقِبَتُنَا إن صارت إليها عاقبةٌ كريمةٌ محمودةٌ.
والثانيةُ: أن يَقْتُلَنَا أعداؤُنا فنموتَ فننالَ الشهادةَ، والشهادةُ هي أعظمُ فوزٍ ينالُه المسلمُ في دارِ الدنيا، فهي أيضا حُسْنَى؛ لأنها أحسنُ مِنْ كُلِّ شيءٍ.
وهذه الآيةُ الكريمةُ من أعظمِ الآياتِ التي تجعلُ المسلمَ يشتاقُ إلى الجهادِ غايةَ الاشتياقِ؛ لأنك لا تجدُ في الدنيا رَجُلاً مآلُه إلى خيرٍ عظيمٍ على كُلِّ التقديراتِ إلا المجاهدَ في سبيلِ اللَّهِ؛ لأنه إن مَاتَ نَالَ أمنيةَ الدنيا والآخرةِ، وَنَالَ الفوزَ والحياةَ الأبديةَ، والكرامةُ التي لاَ نظيرَ لها، وَإِنْ نَصَرَهُ اللَّهُ على عَدُوِّهِ فرجعَ ظَافِرًا غَانِمًا فائزًا فهذا أيضًا حَسَنٌ، وهذا لاَ يكونُ لأحدٍ إلا للمجاهدِ في سبيلِ اللَّهِ، فَمَنْ تَأَمَّلَ معنَى هذه الآيةِ الكريمةِ اشتاقَ لاَ محالةَ إلى الجهادِ في سبيلِ اللَّهِ. وقد ذَكَرَ أصحابُ المغازِي أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ الخروجَ إلى المشركينَ في غزوةِ أُحُدٍ كان جابرُ بنُ عبدِ اللَّهِ أَبُوهُ عبدُ اللَّهِ بنُ عمرِو بنِ حرامٍ له بناتٌ سبعٌ، فجابرٌ أخواتُه سبعٌ، ذَكَرُوا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم