أَشَارَ عليهم أن يَبْقَى مع البناتِ واحدٌ، الابنُ أو الأبُ لئلاَّ يموتَا فتبقَى الإناثُ لا قَيِّمَ عليهن، فقال الوالدُ وهو عبدُ اللَّهِ بنُ عمرِو بنِ حرامٍ (رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ): يا بُنَيَّ كُلُّ شيءٍ أُوثِرُكَ فيه على نفسِي إلا الشهادةَ في سبيلِ اللَّهِ، فَوَاللَّهِ لاَ أُوثِرُ على نفسِي بها أَحَدًا، وَاسْتُشْهِدَ يومَ أُحُدٍ (رضي الله عنه). ولا خلافَ بَيْنَ العلماءِ بأنه من الذين أنزلَ اللَّهُ فيهم: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} إلى آخِرِ الآياتِ [آل عمران: آية 169] وهذا معنَى قولِه: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا} [التوبة: آية 52] أي: ما تَتَرَبَّصُونَ وتنتظرونَ بنا إلا واحدةً من إحدى مَسْأَلَتَيْنِ كلتاهما أحسنُ من كُلِّ شيءٍ {إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} ظَفْرٌ ونصرٌ وفوزٌ بالظفرِ والنصرِ، أو شهادةٌ في سبيلِ اللَّهِ. وهذا كُلُّهُ خيرٌ، فَكُلُّ احتمالٍ صِرْنَا إليه هو احتمالٌ كريمٌ، وهو أحسنُ من غيرِه. وهذا معنَى قولِه: {إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}.
{وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ} ننتظرُ بكم خلافَ ذلك: إحدى السَّوْأَيَيْنِ، نحن ننتظرُ بكم إحدى السوأيين، كلتاهما أسوأُ من الأُخْرَى: أحدُهما: أن يصيبَكم اللَّهُ بعذابٍ من عنده، كأن يُنْزِلَ عليكم عقوبةً فيهلككم لكفركم وتمردِكم وتصيرونَ إلى النارِ، أو يسلطنا عليكم ويأمرنا بقتلِكم فنقتلكم كما قال في إخوانِهم الكفارِ: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14)} [التوبة: آية 14] وهذا معنَى قولِه: {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} إذا عرفتُم أنكم لا تتربصونَ بنا إلا الخيرَ ونحنُ لا نتربصُ بكم إلا الشرَّ إِذَنْ فتربصوا ونحنُ متربصونَ أيضًا، فَكُلُّنَا يصيرُ إلى ما يتربصُ به الآخَرُ إليه.