المسلمُ وَتَدَبَّرَ معانيَها فَهِمَ عن اللَّهِ، وَهَانَتْ عليه أمورُ الدنيا فلم تَعْظُمْ في قلبِه، وهذا معنَى قولِه: {قُل لَّنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: آية 51].
{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ (52)} [التوبة: آية 52].
{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} كان المنافقونَ - قَبَّحَهُمُ اللَّهُ - في المدينةِ يَدًا مع الكفارِ واليهودِ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه يُفْشُونَ إليهم أسرارَه، وَيُلْقُونَ الأراجيفَ في قلوبِ المؤمنينَ، فهم يدٌ مع الكفارِ والمنافقينَ على رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ وَلِذَا كان المنافقونَ والكفارُ واليهودُ كأنهم طائفةٌ واحدةٌ ضِدَّ الإسلامِ والمسلمينَ؛ ولذا قال هنا: أنتم أيها المنافقونَ المتعاونونَ مع إخوانِكم من الكفارِ واليهودِ الذين تتربصونَ الدوائرَ بنا.
التربصُ في لغةِ العربِ: الانتظارُ، العربُ تقولُ: «تَرَبَّصَ»: إذا انْتَظَرَ، وَتَرَبَّصَ بالسلعةِ إلى وقتِ الغلاءِ: انْتَظَرَ بها. وهذا معروفٌ، وهو مشهورٌ جِدًّا في كلامِ العربِ، ومنه قولُ الشاعرِ (?):
تَرَبَّصْ بِهَا رَيْبَ الْمَنُونِ لَعَلَّهَا ... تُطَلَّقُ يَوْمًا أَوْ يَمُوتَ حَلِيلُهَا
فالتربصُ الانتظارُ. ومعنَى الآيةِ الكريمةِ: أنتم أيها المتربصونَ بنا عواقبَ الدهرِ ونوائبَه رَاجِينَ أن تدورَ علينا الدوائرُ فَتُهْلِكَنَا لاَ تتربصونَ بنا إلا واحدةً من اثنتين كلتاهما أحسنُ من الأُخْرَى.
{هَلْ تَرَبَّصُونَ} أصلُه: (هل تَتَرَبَّصُونَ) حُذِفَتْ فيه إحدى التاءينِ.