بالأسبابِ كما جاء به الشرعُ الكريمُ، ويكون في قرارةِ نفسِه متوكلاً على اللَّهِ، وهذا سيدُ المتوكلينَ (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه) مَرَّ عليكم أنه مع شدةِ توكلِه على الله وثقتِه بالله يتسببُ بالمحافظةِ من أعدائِه بأن يَدْخُلَ في غارٍ مظلمٍ في جبلِ ثورٍ لِيَسُنَّ لأُمَّتِهِ التوكلَ على اللَّهِ والأخذَ بالأسبابِ مع التوكلِ على ضوءِ الشرعِ الكريمِ، وهذا هو الحقُّ الذي لا شَكَّ فيه، فَتَرْكُ الأسبابِ من الضلالِ، والاعتمادُ بالكليةِ عليها من الضلالِ، والحقُّ هو أن يأخذَ الإنسانُ بالأسبابِ حسبَ ما جاء به الشرعُ الكريمُ متوكلاً قلبُه على اللَّهِ، مُفَوِّضًا أمرَه إليه، عَالِمًا بأن ما أَخْطَأَهُ لم يكن لِيُصِيبَهُ، وما أَصَابَهُ لم يكن لِيُخْطِئَهُ كما قال هنا: {قُل لَّنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)} [التوبة: آية 51] وقد أَوْضَحَ اللَّهُ لنا في سورةِ الحديدِ أن جميعَ المصائبِ وجميعَ الأمورِ لاَ يصيبُ الإنسانَ منها إلا شيءٌ كان مُقَدَّرًا قبل أن يَخْلُقَ الخلقَ، وقبلَ أن توجدَ المصيبةُ، وربُّنا يقولُ لنا في آيةِ الحديدِ الآتيةِ ما معناه: بَيَّنْتُ لكم أن جميعَ الأمورِ كتبتُها وحسمتُها عندي لِتَتَحَصَّلُوا على أَمْرَيْنِ:

أحدُهما: أن لا تَفْرَحُوا بشيءٍ أَتَاكُمْ فإنه آتِيكُمْ لاَ محالةَ، ولا تَحْزَنُوا على شيءٍ فَاتَكُمْ لأنه فائتٌ لا محالةَ، وهذا نَصَّ عليه تعالى بقولِه: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّنْ قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} أي: أن نَخْلُقَهَا {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: آية 22] إنما بَيَّنَّا لكم هذا القَدَرَ السابقَ الأَزَلِيَّ {لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [الحديد: آية 23] لاَ تَحْزَنُوا على شيءٍ فاتكم فهو فائتٌ لا محالةَ؛ لأن اللَّهَ كَتَبَ ذلك وَقَدَّرَهُ {وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} فهو آتٍ لاَ محالةَ. هذه الآياتُ القرآنيةُ إذا تَأَمَّلَهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015