وقولُه تَعَالَى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} [النساء: آية 33] أي: عصبةً يرثونَ المالَ، كَبَنِي العمِّ ونحوِهم من العصباتِ، ومن هذا المعنَى قولُ الفضلِ بنِ العباسِ من أولادِ أبِي لَهَبٍ (?):
مَهْلاً بَنِي عَمِّنَا مَهْلاً مَوَالِينَا ... لاَ تُظْهِرُوا لَنَا مَا كَانَ مَدْفُونَا
وإطلاقُ المولَى على ابنِ العمِّ مشهورٌ في كلامِ العربِ، ومنه قولُ طرفةَ بنِ العبدِ (?):
وأَعْلَمُ عِلْمًا لَيْسَ بِالظَّنِ أَنَّهُ ... إِذَا ذَلَّ مَوْلَى الْمَرْءِ فَهْوَ ذَلِيلُ
واللَّهُ (جلَّ وعلا) مولَى المؤمنينَ؛ لأنه يُوَالِيهِمْ بالنصرِ والثوابِ والرحمةِ وهم مَوَالِيهِ؛ لأنهم يُوَالُونَهُ بالطاعةِ، حتى إن كُلَّ شيءٍ يوالِي شيئًا يقال له: (مولًى) ولذا جَعَلَ اللَّهُ النارَ مولاَهم كما قال: {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد: آية 15] لأنها تُوَالِيهِمْ لِمَا عَمِلُوا من الأعمالِ السيئةِ المؤديةِ لها. وهذا معنَى قولِه: {لَّنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: آية 51] في أَزَلِهِ {هُوَ مَوْلانَا} سَيِّدُنَا ومدبرُ شؤونِنا ونحنُ متوكلونَ عليه {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} تقديمُ المعمولِ هنا في قولِه: {وَعَلَى اللَّهِ} يدلُّ على الحصرِ، أي: لاَ يُتوكَّلُ إلا على اللَّهِ وحدَه. والتوكلُ معناه: تفويضُ الأمورِ، وَكَّلْتُ الأمرَ إليه: فَوَّضْتُهَا إليه.
وعلى العبدِ أن يفوضَ أمورَه إلى ربه (جلَّ وعلا) ويعلم أن ما أصابَه لم يكن لِيُخْطِئَهُ، وما أخطأه لم يكن لِيُصِيبَهُ. والتوكلُ على اللَّهِ والتفويضُ عليه لا ينافِي الأسبابَ، فيجبُ على المسلمِ أن يأخذَ