فنزلت هذه الآيةُ في الجدِّ بنِ قيسٍ على ما عليه جماعةُ المفسرينَ {وَمِنْهُم مَّنْ يَقُولُ ائْذَن لِّي} هو الجدُّ بنُ قيسٍ أخو بني سلمة. ذكر ابن إسحاق وغيره (?) أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم في وقتِ تجهيزِه لغزوةِ تبوكَ قال له: «يَا جَدُّ هَلْ لَكَ فِي جِلاَدِ بَنِي الأَصْفَرِ؟» يعنِي الرومَ. فقال له الجَدُّ: يَا رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ائْذَنْ لِي في الجلوسِ فإنِّي رجلٌ قد عَلِمَ قومي أنني لا صبرَ لي عن النساءِ، وإن نساءَ بَنِي الأصفرِ فيهن جمالُ ووضاءةُ وجوهٍ أخافُ إن رأيتهن أن لا أصبرَ عنهن، فَائْذَنْ لِي ولا تفتنِّي بصباحةِ وجوهِهن إذا خَرَجْتُ إليهن. وهذا عذرٌ باردٌ وليس قصدُه إلا النفاقَ، فأنزل اللَّهُ فيه: {وَمِنْهُم مَّنْ يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي} أي: بصباحةِ وجوهِ نسائِهم على ما قاله غيرُ واحدٍ.
وقال بعضُ العلماءِ وأسندَه ابنُ جريرٍ (?) إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يَا جَدُّ بْنَ قَيْسٍ هَلْ لَكَ فِي جِلاَدِ بَنِي الأَصْفَرِ لِتَغْنَمَ مِنْهُمْ سَرَارِيَ وَوُصَفَاءَ؟» فقال: ائْذَنْ لِي ولا تَفْتِنِّي بالنساءِ. هذا منزعٌ آخَرُ ووجهٌ في الآيةِ.
وجمهورُ العلماءِ يقولون: هي في الجَدُّ بنُ قيسٍ، وهو عذرُ نفاقٍ لا شَكَّ فيه، وهو لاَ عذرَ له، وإنما يتلمسُ الأعذارَ الكاذبةَ ليجلسَ، قَبَّحَهُ اللَّهُ.