ثم إن اللَّهَ قال: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} الفتنةُ التي يزعمُ أنه يَتَوَقَّاهَا وهي خوفُه أن يُفْتَتَنَ بجمالِ نساءِ بَنِي الأصفرِ هذه ليست هي الفتنة، ولكنَّ الفتنةَ العظيمةَ هذه التي سَقَطَ فيها ووقع فيها وهي تَخَلُّفُهُ عن الجهادِ واعتذارُه الكاذبُ لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ونفاقُه، هذه هي الفتنةُ والضلالُ. فالمعنَى: هذا الذي سقط فيه باعتذارِه هو عينُ الفتنةِ العظيمةِ لاَ فتنةَ جمالٍ نسائِهم الذي يزعم أنه هو الذي يخافُ فتنتَه. وهذا معنَى قولِه: {وَلاَ تَفْتِنِّي}.

{أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: آية 49] في هذه الآيةِ الكريمةِ وعيدٌ شديدٌ للمنافقين، وجهنمُ طبقةٌ من طبقاتِ النارِ، وَتُطْلَقُ على النارِ.

وقولُه: {لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} لأنها تُهْلِكُهُمْ وتغشاهم فتحتوي عليهم من جميعِ الجهاتِ، وتُغَلَّقُ أبوابُها عليهم، وُيضَيَّق عليهم فيها كما بَيَّنَ تعالى ذلك في آياتٍ كثيرةٍ، فَبَيَّنَ إحاطةَ النارِ بهم في قولِه في العنكبوتِ: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)} [العنكبوت: الآيتانِ 54، 55] وقولُه تعالى في الكهفِ: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ... } الآيةَ [الكهف: آية 29]. وقال تعالى: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلاَ عَنْ ظُهُورِهِمْ} [الأنبياء: آية 39] {لَهُم مِّنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف: آية 41] إلى غيرِ ذلك من الآياتِ الدالةِ على إحاطتِها بِهِمْ. وَبَيَّنَ (جلَّ وعلا) أنها تُطَبَّقُ عليهم وتغلَّق أبوابُها، وهو قولُه: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9)} [الهمزة: الآيتانِ 8، 9] وأنها تُضَيَّقُ عليهم ضيقًا شديدًا كما قال تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015