اسْتَطَاعُوا} [البقرة: آية 217] وَبَيَّنَ أنهم لم يستطيعوا في قولِه: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} [المائدة: آية 3] كذلك المنافقونَ كانوا يطمعونَ في ضياعِ الدعوةِ، وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم يضمحلُ أمرُه حتى جاء الحقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارهونَ ذلك - قبحهم الله - وهذه من خسائسِ المنافقينَ يُظْهِرُهَا اللَّهُ لنبيه صلى الله عليه وسلم، وَمِنْ أسماءِ هذه السورةِ العظيمةِ: (الفاضحةُ) لأنها فَضَحَتْ أسرارَ المنافقينَ كما تَقَدَّمَ، وسيأتِي فيها كثيرًا. وهذا معنَى قولِه: {حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ}.
[8/ب] / وقوله: {وَمِنْهُم مَّنْ يَقُولُ ائْذَن لِّي} [التوبة: آية 49] قَرَأَ هذا الحرفَ عامةُ السبعةِ غيرَ ورشٍ عن نافعٍ والسوسيِّ عن أَبِي عمرٍو: {وَمِنْهُم مَّنْ يَقُولُ ائْذَن لِّي} بهمزةٍ مُحَقَّقَةٍ، وقرأه ورشٌ والسوسيُّ بإبدالِ الهمزةِ واوًا مادةً للاَّمِ {ومنهم من يقول وذن لي} أما عندَ الوقفِ فقد أَجْمَعَ جميعُ القراءِ على أنك إن وقفتَ على {يَقُولُ} ابتدأتَ فقلتَ: (ايذن لي} (?) وهو الأمرُ مِنْ أَذِنَ له يأذنُ له. تقولُ العربُ: أذِن له يأذنُ له. وإذا جاء منها أَمْرٌ تقول: ائْذَنْ لِي. أصلُه: إئذن لي. ولكن القاعدةَ المقررةَ في العربيةِ: أن كُلَّ همزتين اجْتَمَعَتَا في كلمةٍ أُخْرَاهُمَا ساكنةٌ وَجَبَ إبدالُها حرفَ مَدٍّ مُجَانِسًا للشكلةِ التي قبلَها سواءً أكانت التي قبلَها همزةَ وصلٍ أو همزةَ قَطْعٍ، وهذا حكمٌ لا خِلاَفَ فيه بَيْنَ القراءِ ولاَ بَيْنَ علماءِ العربيةِ {وَمِنْهُم مَّنْ يَقُولُ ائْذَن لِّي} أي: ائْذَنْ لي في القعودِ ولا تُكَلِّفْنِي بالشخوصِ إلى غزوةِ تبوكَ. وهذه الآيةُ نَزَلَتْ في الجدِّ بنِ قيسٍ الخبيثِ المنافقِ أخِي بَنِي