أُمِّ هانئٍ مِنْ هناك من نجرانَ هذه الأبياتِ - وفيها محلُّ الشاهدِ - وهو قولُه لها (?):
لعَمْرُكِ مَا وَلَّيْتُ ظَهْرِي مُحَمَّدًا ... وَأَصْحَابَهُ جَفْلاً وَلاَ خِيفَةَ الْقَتْلِ ...
وَلَكِنَّنِي قَلَّبْتُ أَمْرِي فَلَمْ أَجِدْ ... لِسَيْفِي غَنَاءٌ إِنْ ضَرَبْتُ وَلاَ نَبْلِي ...
وَقَفْتُ فَلَمَّا خِفْتُ ضَيْعَةَ مَوْقِفِي ... رَجَعْتُ لِعُودٍ كَالْهِزَبْرِ أَبَيِّ الشِّبْلِ
ومحلُّ الشاهدِ منه قولُه «قلَّبتُ أمري» أي: أَجَلْتُ فكري ونظرتُ وتأملتُ في الأمورِ فوجدتُ ثباتِي وعدمَ فرارِي يؤدِي إلى قتلي ولا نتيجةَ بعدَه. وهذا معنَى قولِه: {وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ} أي: أَجَالُوا أفكارَهم وَقَلَّبُوا الأمورَ ونظروا في احتمالاتِها لينالوا كيدًا يكيدونَك به من تثبيطٍ عن الدينِ، أو إلقاءِ شَرٍّ بينَ المسلمينَ، أو إعانة عدوٍّ عليكَ حتى يظفرَ بكَ، قبَّحهم اللَّهُ.
{حَتَّى جَاء الْحَقُّ} جاء الحقُّ وهو نصرُ اللَّهِ لنبيِّه بدينِ الإسلامِ، وقتلِ صناديدِ قريشٍ يومَ بَدْرٍ.
{وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ} معناها: غَلَبَ دينُ اللَّهِ وظهرَ انتصارُه واستقبالُه، فعند ذلك أَسْلَمُوا إسلامًا غيرَ حقيقيٍّ، وهم يتربصونَ الدوائرَ بالمؤمنينَ في باطنِهم.
وقولُه: {وَهُمْ كَارِهُونَ} والحالُ هم كارهونَ - قبحهم اللَّهُ - لأن كُلَّ ما ينالُه المسلمونَ من نصرٍ وفتحٍ وخيرٍ يكرهونَه ويسوؤهم، وكلّ ما جاءهم من شَرٍّ يفرحونَ به، وهذه عادةُ الكفارِ، لاَ يزالونَ يحاولونَ رَدَّ المؤمنينَ عن الدينِ حتى يُقَنِّّطَهُمُ اللَّهُ من ذلك، كما قال اللَّهُ في الكفارِ: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ