يبطلونَ بها دعوةَ دينِ الإسلامِ ويخرجوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم ويمنعونَ الناسَ من الإيمانِ، فلما جاءت غزوةُ بدرٍ عرفوا قوةَ المسلمينَ. قال لهم ابنُ أُبَيٍّ: هذا أَمْرٌ مُستَقبِلٌ فَآمِنُوا ظاهرًا (?). وَهُمْ في الباطنِ يتربصونَ بهم الدوائرَ، يُجِيلُونَ أفكارَهم في الحالةِ التي يَضُرُّونَهُمْ بها.
{لَقَدِ ابْتَغَوُا} أي: طَلَبُوا الفتنةَ، طلبوا لكم الفتنةَ قبلَ هذا من رَدِّ الناسِ عن الدينِ، وإبطالِ الدينِ، وعدمِ اتباعِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والإفسادِ بينَ المسلمينَ.
{وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ} العربُ تقولُ: قَلَّبَ الأمورَ، وَقَلَّبَ الأمرَ. معناه: أن يتفكرَ بدقةٍ ويدبِّر في الأمور ويقلبَها وَجْهًا إلى ظَهْرٍ، وظهرًا إلى وجهٍ ليتأملَ في الحالةِ التي يحصِّل بها مقصودَه. فمعنَى قَلَّبُوا الأمورَ: أَجَالُوا الأفكارَ ونظروا في الدهرِ جنبًا إلى جنبٍ من هذا الأمر إلى هذا، واحتمال هذا وهذا لِيَصِلُوا بذلك إلى رَدِّ الناس عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والقعودِ في وجهِ الدعوةِ إلى اللَّه (جلَّ وعلا)، وهذا معنًى معروفٌ في كلامِ العربِ، تقولُ العربُ: قَلَّبْتُ أمري، وَقَلَّبْتُ أموري، إذا أجلتُ فِكْرِي في المسائلِ ونظرتُ فيها وفي احتمالاتِها لنعلمَ أَيَّ الأمورِ هو الذي يُعِينِنُي على قصدِي. وهذا معنًى معروفٌ في كلامِ العربِ مشهورٌ نَزَلَ به القرآنُ العظيمُ، منه قولُ هبيرةَ بنِ أبِي وهبٍ المخزوميِّ زوجِ أُمِّ هانئٍ بنتِ أبِي طالبٍ (رضي الله عنها)، فإن زوجَها هبيرةَ لَمَّا فَتَحَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكةَ فَرَّ كافرًا إلى نجرانَ، ولم يَزَلْ بها حتى مَاتَ - والعياذُ بالله - وقد أَرْسَلَ إلى