الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44)} [التوبة: الآية 44] بل إذا أَمَرْتَ بالجهادِ قاموا مُسْرِعِينَ ممتثلين أمرَ اللَّهِ، راغبينَ في غزوِ الكفرةِ لأن تكونَ كلمةُ اللَّهِ هي العليا. وهذه الآيةُ تَدُلُّ على أن المؤمنَ بمعنَى المؤمنِ الصحيحِ من صفاتِه الكاشفةِ أن يكونَ مُبَادِرًا للجهادِ في سبيلِ اللَّهِ مُضَحِّيًا بالنفيسِ والغالِي من نفسِه ومالِه للجهادِ في سبيلِ اللَّهِ لإعلاءِ كلمةِ اللَّهِ (جلَّ وعلا). وهذا معنَى قولِه: {لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44)} [التوبة: آية 44] التقوى في قلوبِ الناسِ لاَ تَخْفَى على اللَّهِ، فَاللَّهُ يعلمُ ما في قلوبِ الناسِ، لا يَخْفَى عليه بَرٌّ مِنْ فَاجِرٍ، ولا مُتَّقٍ من عَاصٍ.
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: آية 235] {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)} [ق: آية 16] {عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} لاَ يَخْفَى عليه الْمُتَّقِي من العاصِي، فَمَنْ زَعَمَ للنبيِّ أنه معه، وأنه يحبُّ الإسلامَ والجهادَ، إلا أنه معذورٌ بكذا وكذا لأعذارٍ كاذبةٍ فَاللَّهُ عَالِمٌ بكذبِه، عَالِمٌ بِالْمُتَّقِي حقًّا وبغيرِه، لا يَخْفَى عليه شيءٌ من ذلك. وفي هذا تهديدٌ للمنافقينَ الذين يَدَّعُونَ التقوى ويضمرونَ غيرَها، ووعدٌ عظيمٌ للمؤمنينَ الذين تنطوي قلوبُهم على تَقْوَى اللَّهِ حَقًّا. وهذا معنَى قولِه: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} [التوبة: آية 44].
{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: آية 45] قد تَقَرَّرَ عندَ جماهيرِ العلماءِ أن (إنما) أداةُ حصرٍ، والصحيحُ أن (إنما) أداةُ حصرٍ كما حَرَّرَهُ علماءُ الأصولِ في مبحثِ (دليلِ الخطابِ) أعنِي (مفهومَ المخالفةِ) والبلاغيونَ في مبحثِ