فيعطفون عليها المخفوضِ نظرًا إلى جوازِ خفضِها، وإن كانت غيرَ مخفوضةٍ في الواقعِ (?). ومن شواهدِه المشهورةِ قولُ زهيرِ بنِ أَبِي سُلْمَى (?):
بَدَا لِيَ أَنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ مَا مَضَى ... وَلاَ سَابِقٍ شَيْئًا إِذَا كَانَ جَائِيَا
فقولُه: (ولا سابق) بالخفضِ في روايةِ بيتِ زهيرِ عطفًا على «مدرك» وهو منصوبٌ، إلا أنه يجوزُ جَرُّهُ بالباءِ، فيجوزُ: لستُ بِمُدْرِكٍ ولا سابقٍ. ونظيرُه قولُ الآخَرِ (?):
مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً ... وَلاَ نَاعِبٍ إِلاَّ بِيَيْنٍ غُرَابُهَا
كما هو معلومٌ في محلِّه. ونحنُ نذكرُ هذه الأشياءَ العربيةَ وإن كان أكثرُ المستمعينَ لاَ يفهمونَها لأنا نريدُ أن تكونَ هذه الدروسُ القرآنيةُ يستفيدُ منها كُلُّ الحاضرينَ على قَدْرِ استعداداتِهم، وَاللَّهُ يوفقُ الجميعَ للخيرِ.
الوجهُ الثانِي: أن (أن) هذه هي التي تُحْذَفُ قبلَها (لا) أو مضاف كقولِه: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: آية 176] ففي قولِه: {أَنْ تَضِلُّوا} ونحوِه وجهانِ. أي: يُبَيِّنُ اللَّهُ لكم لئلاَّ تضلوا، أو كراهةَ أن تضلوا. هذانِ الوجهانِ في (أن) في القرآنِ فيما يماثلُ هذا كقولِه: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} وقولِه: {فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا} [الحجرات: آية 6] أي: لئلاَّ تصيبوا، أو كراهةَ أن تصيبوا. وهذانِ الوجهانِ في قولِه: {لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ