الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)} [التوبة: الآيتان 44، 45].
لَمَّا دَعَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسلمينَ إلى النفرِ في غزوةِ تبوكَ جاءَ رؤساءُ المنافقينَ كعبدِ اللَّهِ بنِ أُبَيِّ بنِ سَلُولَ، والجدُّ بنُ قيسٍ، وهؤلاء أعظمُ المنافقينَ، وَمَنْ سَارَ في ركابِهم، جاؤوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم يستأذنونَه في الجلوسِ والتخلفِ عن غزوةِ تبوكَ؛ لأنهم أعداءُ للإسلامِ في باطنِ أمرِهم، فَبَيَّنَ اللَّهُ أن ذلك الاستئذانَ رغبةٌ في التخلفِ ليس من فِعَالِ المسلمينَ، وأنه من فِعَالِ الذين لاَ يؤمنونَ بِاللَّهِ ولاَ باليومِ الآخِرِ. قال: {لاَ يَسْتَئذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ .. }. الجمهورُ يقرؤون: {يَسْتَئذِنُكَ} والسوسيُّ: {يستاذنك} بإبدال الهمزةِ (?).
{لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} يصدقون بالله (جلَّ وعلا)، وإيمانُهم بالله، الإيمانُ بالله إذا أُطْلِقَ شملَ الإيمانَ من الجهاتِ الثلاثِ، وهو تصديقُ القلبِ بالاعتقادِ، واللسانِ بالإقرارِ، والجوارحِ بالعملِ. فالمؤمنُ بمعنَى الإيمانِ الصحيحِ هو مَنْ آمَنَ قلبُه ولسانُه وجوارحُه. وهذا الاستئذانُ ليس من أفعالِ المسلمينَ {لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} الإيمانُ باليومِ الآخِرِ كثيرًا ما يجعلُه اللَّهُ مذكورًا مع الإيمانِ به؛ لأَنَّ مَنْ لَمْ يؤمن باليومِ الآخِرِ لاَ يخافُ بَأْسًا يومَ القيامةِ ولا يطمعُ في خيرٍ، فهو يفعلُ ما يشاءُ، فالكفرُ باليومِ الآخِرِ رأسُ كُلِّ شَرٍّ، والإيمانُ به رأسُ كُلِّ خَيْرٍ.