فمعنَى قولِه: {انْفِرُوا} تَحَرَّكُوا مُسْرِعِينَ للجهادِ في سبيلِ اللَّهِ.
وقولُه: {خِفَافًا وَثِقَالاً} حالانِ، والخِفَافُ جمعُ خفيفٍ. والثقالُ: جمعُ ثقيلٍ. و «الفَعِيلُ» إذا كان وَصْفًا يَكْثُرُ جمعُه على (الفِعَالِ) جمعَ كثرةٍ كما هو معروفٌ في مَحَلِّهِ.
والمرادُ بقولِه: {خِفَافًا وَثِقَالاً} جاء فيه لأهلِ العلمِ ما يقرُب من خمسةَ عشرَ قولاً أو أكثرَ (?)، والمرادُ بها كُلِّهَا: إنما هو تمثيلُ الخفةِ والثقلِ. والمعنَى الجامعُ لذلك كلِّه: {انْفِرُوا} تَحَرَّكُوا مسرعينَ إلى جهادِ الرومِ إلى تبوكَ في حالِ كونِكم خفافًا أو ثقالاً.
والمرادُ بالخفافِ: الذين تَخِفُّ عليهم الحركةُ لتهيؤِ أسبابِ القوةِ والحركةِ عندَهم.
والثقالُ: الذين يثقلُ عليهم ذلك لسببٍ من الأسبابِ. وأقوالُ العلماءِ في هذا كالأمثلةِ لذلك، كقولِ مَنْ قال: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً} شبابًا وشيوخًا. وقولِ مَنْ قال: {خِفَافًا وَثِقَالاً} مراضًا وصحاحًا. وقولِ مَنْ قال: {خِفَافًا وَثِقَالاً} نشاطًا وغير نشاط. وقولِ مَنْ قال: {خِفَافًا وَثِقَالاً} أصحاب عيال وغير أصحاب عيال. وقولِ مَنْ قال: {خِفَافًا وَثِقَالاً} أي: أصحاب ضِياع وبساتينَ أو غير أصحابها. فهذه أقوالٌ كثيرةٌ. كقولِ مَنْ قال: {خِفَافًا وَثِقَالاً} مشاغيل وغير مشاغيل. إلى ذلك ( ... ) (?).
يقول اللَّهُ (جلَّ وعلا): {لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ