بعضُهم: هو إلى أَبِي بكر (?)؛ لأنه هو الحزينُ الذي يتشوشُ ضميرُه {وَأَيَّدَهُ} [التوبة: آية 40] أي: أَيَّدَ نبيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أي: قَوَّاهُ {بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} ظاهرُ هذه الآيةِ الكريمةِ أن وقتَ إتيانِ الكفارِ إلى الغارِ أن اللَّهَ (جلَّ وعلا) جَعَلَ عِنْدَ النبيِّ في ذلك الوقتِ جنودًا من الملائكةِ لم يَرَهَا الناسُ، لو أَرَادَ الكفارُ أن يفعلوا به شيئًا لأَهْلَكُوهُمْ، وهذا هو ظاهرُ الآيةِ، وأكثرُ المفسرينَ يقولونَ: إن معنَى {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} يعني: مَا وَقَعَ من نزولِ الملائكةِ يومَ بدرٍ، ويومَ الأحزابِ، ويومَ حنينٍ كما تَقَدَّمَ إيضاحُه. وظاهرُ القرآنِ أن جنودَ الملائكةِ تحيطُ به في ذلك الوقتِ، وَاللَّهُ الذي هو أعظمُ معه بنصرِه وعزِّه وقوتِه في ذلك الوقتِ لاَ يخافُ شيئًا، ولكن اللَّهَ (جلَّ وعلا) يُشَرِّعُ بأفعالِ رسلِه وأقوالِهم لخلقِه، فالله (جلَّ وعلا) مع عظمتِه وجلالِه وتصريحِ النبيِّ بأنه معه، وأن اللَّهَ أَيَّدَهُ بجنودِ الملائكةِ، مع هذا يدخلُ في غارٍ في ظلمةِ الليلِ، والغارُ فيه الحياتُ وخشاشُ الأرضِ؛ لِيَسُنَّ للناسِ ويشرعَ لهم حَمْلَ أعباءِ تبليغِ الرسالةِ والدعوةِ، وأن يتحملوا في شأنِ الدعوةِ إلى [8/أ] اللَّهِ كُلَّ البلايا والمشاقِّ، ويستهينوا فيها بكلِّ عظيمٍ، هذا هو السرُّ في ذلك، / وهذا معنَى قولِه: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى} السفلى: تأنيثُ الأسفلِ، وهو الذي يَفْضُلُ غيرَه في السفالةِ والخساسةِ والانحطاطِ، كلمةُ الكفارِ جَعَلَهَا اللَّهُ هي السفلى، وكلمةُ الكفارِ هي كلمةُ الكفرِ، وعبادةُ الأصنامِ، وعبادةُ غيرِ اللَّهِ (جلَّ وعلا).
ومعنَى كونِها هي السفلى: اندحارُ أهلِها وقمعُهم وإظهارُ كلمةِ اللَّهِ.