والسيرُ والأخبارُ تُحكى، وإنما يُحْتَاجُ إلى التصحيحِ فيها لِمَا يتوقفُ عليه بعضُ الأحكامِ الشرعيةِ، وهذه القصةُ ذَكَرَ بعضُ العلماءِ فيها أحكامًا مفيدةً كثيرةً منها:
أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَأْمَنَ كافرًا على سِرِّهِ وَأَمْنِهِ، وانتفعَ بخبرةِ كافرٍ، ومثل هذا يحتاجُ إلى التنبيهِ عليه اليومَ؛ لأن الناسَ اليومَ بين مُفْرِطٍ ومفرِّط في الانتفاعِ من الكفارِ، فبين مُفْرِطٍ يزعمُ أن تقليدَ الكفارِ يلزمُ في كُلِّ شيء، حتى ولو كان الانسلاخَ من دينِ اللَّهِ، ومنهم مُفَرِّطُونَ يقولونَ: لاَ تأخذوا عنهم شيئًا ولو من أمورِ الدنيا البحتةِ. والتحقيقُ أنه يُؤْخَذُ عنهم ما يجوزُ أخذُه، ولا يؤخذُ عنهم ما لا يجوزُ أخذُه. والنبيُّ صلى الله عليه وسلم علَّم أُمَّتَهُ ذلك في وقائعَ كثيرةٍ، من ذلك أنه لَمَّا لم يَجِدْ إلا أمينًا كافرًا ائتمن هذا الأمينَ الكافرَ وعاملَه وانتفعَ بخبرتِه العظيمةِ في الطرقِ على حَدِّ قولهم: «اجْتَنِ الثمارَ وَأَلْقِ الخشبةَ في النارِ» (?) ولم يكن جامدًا، ولم يَقُلْ: هذا كافرٌ، والكافرُ خبيثٌ، والانتفاعُ بالخبيثِ خبيثٌ. بل تَبَرَّأَ منه. لا، بل انتفعَ بخبرتِه واستأجرَه؛ ولهذا نظائرُ كثيرةٌ، من ذلك: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سَمِعَ بقدومِ الأحزابِ مع كثرتِهم وقلةِ المؤمنينَ قال له سلمانُ الفارسيُّ: كُنَّا إذا خِفْنَا خَنْدَقْنَا (?). فالخندقُ خطةٌ عسكريةٌ ابْتَدَعَتْهَا أذهانُ فارسَ، وهم كفارٌ يعبدونَ النارَ، فلم يَقُلِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: هذه خطةٌ نجسةٌ؛ لأَنَّ الكفارَ ابتدعوها. بل أخذ بها وانتفعَ بها وهو متمسكٌ بدينِه، وقد ثَبَتَ في صحيحِ مسلمٍ ما يقتضي أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم هَمَّ بمنعِ الغيلةِ، وهي وطأُ المرضعِ؛ لأَنَّ العربَ كانوا يعتقدونَ أن المرأةَ إذا