أبو بكرٍ (رضي الله عنه)، فقالوا: نَحْنُ لاَ نحبُّ أن نخفرَ ذمتَك، وإن صاحبَك صَارَ يفعلُ ما لم يَحْصُلْ عليه الاتفاقُ، فكلم ابنُ الدغنةِ أَبَا بكرٍ (رضي الله عنه) فقال: إما أن تَفِيَ بالشرطِ الذي تَوَافَقْنَا عليه، وإما أن تَرُدَّ إِلَيَّ ذمتي. فقال له أبو بكر (رضي الله عنه): رَدَدْتُ إليكَ ذمتَك، وأنا في ذمةِ اللَّهِ تعالى. وكان أبو بكر لَمَّا أرادَ أن يهاجرَ أشارَ له النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه يطمعُ أن يُؤْذَنَ له في الهجرةِ، فقعد أبو بكر (رضي الله عنه) طَمَعًا في أن يُؤْذَنَ لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الهجرةِ فيكون رفيقَه، واشترى رَاحِلَتَيْنِ، وكان يعلفُهما الْخَبَطَ، وهو ورقُ السمرِ، شجرٌ معروفٌ، علفهما إياه أشهرًا عديدةً، أربعةً، أو ستةً، أو غيرَ ذلك.
فلما اجتمعت قريشٌ لقتلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يأتِي بيتَ أبِي بكرٍ كُلَّ يومٍ إما أولَ النهارِ أو آخرَه، فبينما هُمْ ذاتَ يومٍ إِذْ قَدِمَ عليهم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في حَرِّ الظهيرةِ، فقال أبو بكر: هذا وقتٌ ما جَاءَنَا به رسولُ الله، وَاللَّهِ ما جاء إلا لأَمْرٍ حَدَثَ. ثم لَمَّا دَخَلَ عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال لأبِي بكرٍ: أَقِمْ مَنْ عِنْدَكَ. فقال: هُمْ أَهْلُكَ يا رسولَ اللَّهِ، هُمُ ابْنَتَايَ - يعني عائشةَ وأسماءَ (رضي الله عنهما) - فأخبرَ النبيُّ أبا بكر (رضي الله عنه) أن اللَّهَ أَذِنَ له في الهجرةِ، فقال: الصحبةَ يا رسولَ اللَّهِ. فقال: الصحبة. قالت أسماءُ (رضي الله عنها): ما رأيتُ أحدًا يبكي من الفرحِ قبلَ ذلك اليومِ، فأبو بكر يَبْكِي من الفرحِ. كذا قاله غيرُ واحدٍ من أهلِ الأخبارِ وَالسِّيَرِ، ثم إن قريشًا اجتمعوا لتنفيذِ الخطةِ وقتلِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ جبريلُ فأخبرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَهُ بالخروجِ، فنادى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بنَ أبي طالبٍ (رضي الله عنه) وأمرَه أن يضطجعَ في مكانِه، وأن ينامَ في البُرْدِ الذي كان ينامُ فيه رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثم إن اللَّهَ أَخَذَ بأعينِهم فَمَرَّ بهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم