وقرأ عليهم آياتٍ من أولِ سورةِ (يس) حتى بَلَغَ {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} [يس: آية 9] وَوَضَعَ على رأسِ كُلِّ واحدٍ منهم الترابَ. ثم خرجَ هو وأبو بكرٍ (رضي الله عنه).

قال بعضُهم: خرج من خوخةٍ في قَفَا دارِ أبي بكرٍ التي في بَنِي جُمَحَ، وذهب هو وأبو بكر إلى الغارِ، وهو غارٌ في جبلٍ من جبالِ مكةَ يُسَمَّى ثورًا، فدخل فيه هو والنبيُّ صلى الله عليه وسلم، وجاءَه ليلاً، ومكثوا فيه ثلاثَ ليالٍ بأيامِها حتى يرجعَ الطلبُ، وَآجَرُوا رجلاً من بَنِي دؤلِ بنِ كنانةَ يُسَمَّى عبدَ اللَّهِ بنَ الأريقطِ على دينِ كفرِ قريشٍ، يُقال: إن له خؤولةً في بَنِي سهمِ بنِ عمرِو بنِ هصيصِ بنِ كعبِ بنِ لؤيٍ، فَأَمَّنَهُ وَاسْتَأْجَرَهُ على راحلتيهما وواعدَه بعدَ ثلاثِ ليالٍ أن يأتيَهم بالراحلتين في غارِ ثورٍ، وكان كافرًا أمينًا، كَتَمَ سِرَّهُمَا وَحَفِظَ عليهما أمرَهما، وجاءهما في الموعدِ، وكان عبدُ اللَّهِ بنُ أبي بكرٍ (رضي الله عنهما) غلامًا ثَقِفًا شابًّا عاقلاً، كان يأتيهم بأخبارِ قريشٍ وَكُلِّ ما قالوا وَتَحَدَّثُوا به في شأنِهم في النهارِ يأتيهم به في الليلِ في الغارِ، وكانت أسماءُ (رضي الله عنها) تأتيهم بالطعامِ، وكان عامرُ بنُ فهيرةَ الطائيُّ (رضي الله عنه) مولَى أبي بكرٍ الصديقِ كان عبدًا مَمْلُوكًا لأولادِ أُمِّ رومانَ، وهي أُمُّ عائشةَ، كانت لها أولادٌ قبلَ أبِي بكرٍ، وكان عامرُ بنُ فهيرةَ هذا عَبْدًا لهم، فاشتراه أبو بكر (رضي الله عنه) فَأَعْتَقَهُ، فكان مولًى لأَبِي بكرٍ، كان يريحُ على النبيِّ وأبي بكر غَنَمًا لأبي بكر (رضي الله عنه) فيحلبُ لهم منها فيشربونَ بالليلِ، ثم إذا كان في آخِرِ الليلِ صَاحَ بها فأصبحَ مع رعاءِ قريشٍ، ولا يَدْرُونَ أنه كان معهم. فمكثوا فيها ثلاثَ ليالٍ، فجاءهم عبدُ اللَّهِ بنُ الأريقطِ الدؤليُّ - رفيقُهم - وَرَكِبَا، وكان خرِّيتًا ماهرًا، سار بهم في طرقٍ غيرِ معهودةٍ؛ لأَنَّ الطرقَ المعهودةَ عليها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015