بلادِ نَجْدٍ، وقال لهم: قد علمتُ بما اعتزمتُم عليه. وَأَرَادَ أن يجلسَ معهم ليتبادلَ معهم الرأيَ، أَدْخَلُوهُ معهم، فَتَشَاوَرُوا في أمرِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال قائلٌ منهم، يقال هو أبو البختريِّ: احْبِسُوهُ وَنَتْرُكُهُ مَحْبُوسًا حتى يموتَ. فقال ذلك الشيخُ الذي هو إبليسُ في صورةِ ذلك الشيخِ: ليس هذا لكم بِرَأْيٍ؛ لأنكم إن حبستموه جاء بَنُو عَمِّهِ وأتباعُه فَانْتَزَعُوهُ منكم، وَغَلَبُوكُمْ عليه. فقال آخَرُ: نرى أن نخرجَه من بلادِنا وأرضِنا ونصلحَ شأنَنا بعدَه إذا أَخْرَجْنَاهُ. فقال لهم إبليسُ اللعينُ في صورةِ ذلك الشيخِ: ليس هذا وَاللَّهِ بِرَأْيٍ؛ لأنكم إن أَخْرَجْتُمُوهُ فقد عرفتُم حلاوةَ منطقِه، وعذوبةَ لسانِه، فقد يَتْبَعُهُ الناسُ فيغزوكم في ديارِكم فيغلبَكم على أَمْرِكُمْ.

فقال أبو جهلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ: إن عندي لَرَأْيًا ما أراكم ذَكَرْتُمُوهُ، خُذُوا من كُلِّ قبيلةٍ من قبائلِ قريشٍ شابًّا حدثًا قويًّا وَأَعْطُوهُ سَيْفًا وأْمُرُوهُمْ يضربوه ضربةَ رجلٍ واحدٍ فَيَتَفَرَّقُ دَمُهُ في قبائلِ قريشٍ، فلن يستطيعَ بَنُو عبدِ منافٍ أن يُحَارِبُوا جميعَ قريشٍ، فيقبلوا منا عقلَه، فنعقلَه ونعطيَهم دِيَتَهُ، ونستريحَ من شَأْنِهِ. فقال لهم إبليسُ اللعينُ: هذا وَاللَّهِ هو الرأيُ. فَأَجْمَعُوا رأيَهم على هذا وأنهم يقتلونَه، واجتمعوا لتنفيذِ ذلك عندَ بابِ الدارِ التي ينامُ فيها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وكان أَبْو بَكْرٍ (رضي الله عنه) قبلَ ذلك هَاجَرَ إلى الحبشةِ فِيمَنْ هَاجَرَ، فَلَقِيَهُ عمرُو بنُ الدغنةِ سيدُ بَنِي القارةِ، وهم بنو الهونِ بنِ خزيمةَ بنِ مدركةَ بنِ إلياسَ، فقال لأبِي بكرٍ: أنتَ لاَ تذهبُ، وأنتَ فِي ذِمَّتِي. فرجع به في ذمتِه، وَأَعْطَاهُ قريشٌ ذمةَ ابنِ الدغنةِ على أن لا يُظْهِرَ قراءتَه ولا دِينَهُ، وأن يجعلَ دينَه سِرًّا في بيتِه، فلما طال ذلك على أبي بكرٍ (رضي الله عنه) صار يُظْهِرُ صلاتَه وقراءتَه، فَأَرْسَلَتْ قريشٌ إلى عمرِو بنِ الدغنةِ، الذي كان في ذمتِه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015