معنَى قولِه: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ} فَاللَّهُ ناصرُه على كُلِّ حالٍ، ثم بَيَّنَ نَصْرَهُ له السابقَ في حالةِ الضعفِ والقلةِ {فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} على أعدائِه حيث أَنْجَاهُ اللَّهُ منهم، وَخَيَّبَ مكرَهم وأبطلَه، ثم أظهرَه عليهم بَعْدَ ذلك. وهذا معنَى قولِه: {فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}.
{إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} حينَ أَخْرَجَهُ الذين كفروا وهم كفارُ مكةَ، ومعنَى إخراجِهم له أنهم اضْطَرُّوهُ وَأَلْجَؤُوهُ إلى أن يخرجَ؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان فِي حياةِ عَمِّهِ أبِي طالبٍ يدفعُ عنه مَكْرَ قريشٍ، وَيَحْمِيهِ منهم، ويقولُ له (?):
وَاللَّهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ ... حَتَّى أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِينَا
فَلَمَّا مَاتَ أبو طالب وَجَدَ الأنصارَ وَبَايَعُوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعةَ العقبةِ خاف قريشٌ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَظُمَ عليهم أَمْرُهُ، وَهَالَهُمْ شأنُه، فقالوا: هذا الرجلُ صار له أتباعٌ في القبائلِ الأُخْرَى، فما نَأْمَنُ أن يَغْزُونَا بأتباعه فيحتلنا. واعتزموا على أن يقتلوه، وقد قَدَّمْنَا السببَ الذي أَلْجَأَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى الهجرةِ في سورةِ الأنفالِ، في الكلامِ على قولِه تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)} (?) [الأنفال: آية 30]. وذلك أن قريشًا لَمَّا هَالَهُمْ أمرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَظُمَ عليهم شأنُه، وخافوا أن تتبعَه قبائلُ العربِ فيغزوَهم بهم حاولوا أن يقتلوه، فاجتمعوا في دارِ الندوةِ، واجتمعَ جميعُ ساداتِ قبائلِ قريشٍ في ذلك الاجتماعِ، وجاءهم إبليسُ - عليه لعائنُ اللَّهِ - في صورةِ شيخٍ جليلٍ جَائيًا من