وقولُه تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: آية 39] معناه: أنه (جلَّ وعلا) قادرٌ على كُلِّ شيءٍ، فهو قادرٌ على ما شَاءَ، وقادرٌ أيضًا على ما لم يَشَأْ، فهو (جَلَّ وَعَلاَ) قادرٌ على هدايةِ أبِي بكرٍ الصديقِ، وقادرٌ على هدايةِ أبِي لَهَبٍ، لاَ شَكَّ أنه قادرٌ على الأَمْرَيْنِ، وقد أَرَادَ أحدَ الْمَقْدُورَيْنِ، وهو هدايةُ أبِي بكرٍ، وَلَمْ يُرِدِ المقدورَ الثانيَ وهو هدايةُ أبِي لهبٍ، فهو (جلَّ وعلا) قادرٌ على كُلِّ شيءٍ، لا يَتَعَاصَى عليه شيءٌ، يقولُ للشيءِ: كُنْ فَيَكُونُ، خَلْقُهُ لجميعِ البشرِ كخلقِه لنفسٍ واحدةٍ {مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان: آية 28] لأنه (جلَّ وعلا) لا يَتَعَاصَى على قدرتِه شيءٌ سبحانَه (جل وعلا).

[7/ب] / يقولُ اللَّهُ جلَّ وعلا: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)} [التوبة: آية 40].

هذه الآيةُ يقولُ اللَّهُ (جلَّ وعلا) فيها للذين تَكَاسَلُوا عن غزوةِ تبوكَ وَتَثَاقَلُوا وَتَبَاطَؤُوا أن يَغْزُوا الرومَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ} (إن) هي الشرطيةُ مدغمةً في (لا) والضميرُ المنصوبُ في (تنصروه) عائدٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، يعني: إن تَتَقَاعَسُوا وَتَتَثَاقَلُوا عن نصرةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم في غزوةِ تبوكَ فإن الله نَاصِرُهُ لاَ محالةَ، سواء تَثَاقَلْتُمْ أَمْ لَمْ تَتَثَاقَلُوا. وقد بَيَّنَ (جَلَّ وعلا) أنه نَصَرَهُ في حالةِ الضعفِ والقلةِ، في حالةِ كَانَ هو وصاحبُه دَاخِلَيْنِ في غارٍ مُخْتَفِيَيْنِ عن المشركينَ، فَلَمَّا نصره اللَّهُ في حالةِ الضعفِ والقلةِ فكيفَ لاَ ينصرُه في حالةِ الكثرةِ والقوةِ؟ وهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015