كافرًا مِنْ بَنِي دؤلِ بنِ كنانةَ يُسَمَّى عبدَ اللَّهِ بنَ الأُرَيْقِطِ، وكان في ذلك الوقتِ كافرًا من عبَدَةِ الأوثانِ، إلا أن عندَه خبرةٌ دنيويةٌ بالطرقِ من مكةَ إلى المدينةِ؛ لأنه (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه) في ذلك الوقتِ محتاجٌ إلى خبيرٍ بِالطُّرُقِ؛ لأن الطرقَ المعهودةَ السابلةَ أَمْسَكَهَا الكفارُ وجعلوا جعائلَ لكلِّ مَنْ أَتَى بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم أن يُعْطُوهُ الأموالَ الكثيرةَ، فصارَ لا يمكن أن يسيرَ في الطرقِ المعهودةِ والسبلِ السابلةِ، بل لا بُدَّ أن يذهبَ من بُنَيَّاتِ طرقٍ ليست هي المعهودةَ، وهذه تحتاجُ إلى خبرةٍ خاصةٍ ووجدَ هذه الخبرةَ عند كافرٍ من بَنِي دؤلِ بنِ كنانةَ يُسَمَّى عبدَ اللَّهِ بنَ الأريقط، فَأَوْدَعَهُ رواحلَه وأعطاه الموعدَ، وكان ذلك الكافرُ أَمِينًا معه، فجاءَه في الموعدِ وَذَهَبَ به وجاء به من طُرُقٍ غيرِ معهودةٍ حتى أَوْصَلَهُ المدينةَ بسلامٍ (?).

فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم عندَ الحاجةِ انتفعَ بخبرةِ هذا الكافرِ ولم يَقُلْ: هذه خِبْرَةٌ نَجِسَةٌ قَذِرَةٌ لأنها من كَافِرٍ، بل انْتَفَعَ بها على حَدِّ قولِهم «اجْتَنِ الثِّمَارَ وَأَلْقِ الْخَشَبَةَ فِي النَّارِ». وكذلك لَمَّا سَمِعَ بالكفارِ في غزوةِ الأحزابِ قال له سلمانُ الفارسيُّ - كما هو مذكورٌ في الأخبارِ وَالسِّيَرِ -: كُنَّا إِذَا خِفْنَا خَنْدَقْنَا (?). فأشارَ إليه بالخندقِ، وهو خطةٌ حربيةٌ عسكريةٌ، فقامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وانتفعَ بهذه الخطةِ الحربيةِ العسكريةِ وإن كانت ابْتَدَعَتْهَا أذهانُ فارسَ الذين هُمْ كفَرَةٌ يعبدونَ النارَ، ولم يَقُلْ: هذه خطةٌ نَجِسَةٌ قذرةٌ؛ لأَنَّ أصلَها من الكفارِ!! بل انتفعَ بما ينفعُه في دنياه وهو محافظٌ على دِينِهِ. وقد ثَبَتَ في صحيحِ مسلمٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم هَمَّ أن يمنعَ الرجالَ من أن يطؤوا نساءَهم فِي حالةِ إرضاعِهن؛ لأن العربَ كانوا يَظُنُّونَ أن الرجلَ إذا أَتَى أَبُوهُ أُمَّهُ وهي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015