(صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه)، عندما تسنحُ الفرصةُ المواتيةُ لذلك، فالعزيمةُ لها وقتُها، وإنا كان الوقتُ للعزيمةِ لا يجوزُ أن تُهْمَلَ بحالٍ من الأحوالِ، فإذا كان الظرفُ مناسبًا للرخصِ أُعْمِلَتِ الرخصُ؛ لأن دينَ الإسلامِ دينٌ مرنٌ صالحٌ لمواجهةِ جميعِ التياراتِ والأحداثِ والتطوراتِ، وقد قَدَّمْنَا في سورةِ [آل عمران] (?) طَرَفًا جَيِّدًا من هذا في الكلامِ على قولِه: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: آية 28] أي: إلا أن تخافوا منهم خوفًا فَلِذَلِكَ حَالٌ وَحُكْمٌ آخَرُ.
وَاعْلَمُوا - أيها الإخوانُ - أن المؤسفَ كل المؤسف هو أن الذي يجوزُ لنا أن نأخذَه من الكفارِ والذي يمتنعُ علينا أن نأخذَه منهم معكوسٌ في أقطارِ المعمورةِ الآنَ!! يأخذونَ منهم ما لا يَحِلُّ أَخْذُهُ، ويتركونَ ما لاَ ينبغِي تَرْكُهُ، فيعكسونَ القضيةَ عَكْسًا تَامًّا!! وإيضاحُ هذا المعنَى أنه يجوزُ للمسلمينَ أن يَنْتَفِعُوا بأعمالِ الكفارِ التي هي أمورٌ دنيويةٌ بحتةٌ وَيَحْذَرُوا كُلَّ الحذرِ من أن يُقَلِّدُوهُمْ في شيءٍ من أوامرِ الدينِ. وسنذكرُ لكم أمثلةً من هذا يتضحُ بها المقامُ (?): هذا سَيِّدُ الخلقِ محمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ - صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه - لَمَّا تَوَاطَأَتْ عليه قُوَى الشَّرِّ وَاضْطَرُّوهُ أن يخرجَ مِنْ مَسْقَطِ رَأْسِهِ - كما قَدَّمْنَا في سورةِ الأنفالِ في الكلامِ على قولِه تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال: آية 30] وَدَخَلَ هو وصاحبُه في غارٍ كما سيأتِي تفصيلُه في هذه السورةِ الكريمةِ إن شاء الله - وَجَدَ في ذلك الوقتِ