والتي لا يجوزُ أخذُها؛ ليكونَ المسلمُ على بصيرةٍ من ذلك، ويعلمَ ما ينبغي وما لا ينبغي، وَيُفَرِّقَ بينَ ما يضرُّ وما لا يضرُّ. لاَ شَكَّ أنه إن كانت القوةُ كاملةً للمسلمينَ من غيرِ حاجةٍ للكفارِ في شيءٍ أنهم يقومونَ بأنفسِهم ويقيمونَ عزائمَ اللَّهِ في المشركينَ مِنْ قَتْلٍ حتى يُعْطُوا الجزيةَ عن يدٍ وهم صاغرونَ، وتطهيرُ جزيرةِ العربِ منهم إلى غيرِ ذلك مِمَّا قَدَّمْنَا أنه لا بُدَّ منه في كُلِّ الأحوالِ وفي كُلِّ الظروفِ، أي: إذا كان محل العزائمِ والمسلمون في قوتِهم كما ينبغي، أما إذا كان المسلمونَ في ضَعْفٍ عن ذلك، أو في حاجةٍ ماسةٍ ضروريةٍ إلى الكفارِ فَلِكُلِّ حالٍ مقالٌ، وقد عَلَّمَنَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَخْرَجَ في جميعِ هذه الأشياءِ، فهو (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه) لَمَا أَمْكَنَهُ أن يُجْلِيَ بني قَيْنُقَاعَ من غيرِ حاجةِ المسلمينَ ولا ضرورةٍ عليهم أجلاهم من المدينةِ إلى الشامِ، وَلَمَا أمكنَه بعد ذلك أن يُجْلِيَ بنِي النضيرِ أجلاهم من المدينةِ إلى أطرافِ الشامِ كما سيأتِي في قولِه: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ... } إلى آخِرِ الآياتِ [الحشر: آية 2]. وَلَمَّا كانت حاجةُ المسلمينَ ماسةً إلى عدمِ إجلاءِ خيبر لم يُجْلِهِمْ بل عَامَلَهُمْ ليتولوا القيامَ على نَخْلِ خيبرَ وأرضِها، وأعطاهم شَطْرَ ثمارِ نخلِ خيبرَ وما يخرجُ من أرضِها، وهو صلى الله عليه وسلم عازمٌ على إخراجِهم عندما أَمْكَنَتِ الفرصةُ، وصار وقتُ العزيمةِ، وانتهى وقتُ الرخصةِ؛ وَلِذَا ثَبَتَ في بعضِ الرواياتِ الصحيحةِ أنهم لَمَّا قالوا له: أَقِرَّنَا على الأرضِ نقومُ على نَخْلِهَا وزرعِها بشطرِها. قال لهم صلى الله عليه وسلم: «نُقِيمُكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شَئْنَا، وَإِنْ شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ» (?)

لأنه عازمٌ على إخراجِهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015