فَمَنْ عَرَفَ حقارةَ لذةِ المعصيةِ وشدةَ السمومِ الفتاكةِ المنطويةِ عليها، وَأَعْمَلَ عقلَه [إعمالاً] (?) صحيحًا لا بد أن يندمَ، فَلَمَّا كانت الأسبابُ الموصلةُ إلى الندمِ متيسرةً لاَ يعجزُ عنها إلا مَنْ حَابَى نفسَه ولم يستعمل أسبابَ الندمِ صارَ الندمُ كأنه في طوقِ الإنسانِ.

الإشكالُ الثانِي: هو ما ذَكَرَهُ العلماءُ في الإقلاعِ؛ لأن الإقلاعَ عن الذنبِ والكفَّ عن شَرِّ الذنبِ، وعدمَ التمادِي فيه، هذا ركنٌ من أركانِ التوبةِ، فَلاَ توبةَ مع عدمِ الإقلاعِ؛ لأَنَّ المتلبسَ بالذنبِ الذي لم يُقْلِعْ عنه لاَ توبةَ له بإجماعِ العلماءِ، والإشكالُ في هذا أن بعضَ الناسِ يتوبُ مع تعذرِ الإقلاعِ عليه، كالذي كان ينشرُ بدعةً من البدعِ حتى طَارَتْ في أقطارِ الدنيا، وصار يُعْمَلُ بها في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها، ومعلومٌ أن مَنْ سَنَّ سُنَّةً سيئةً فَعَلَيْهِ وزرُها ووزرُ مَنْ عَمِلَ بها إلى يومِ القيامةِ، لاَ ينقصُ ذلك من أوزارِهم شيئًا. ثم إنه نَدِمَ على بدعتِه وأرادَ الإقلاعَ والرجوعَ عنها، لَكِنَّ شَرَّهُ منتشرٌ مستطيرٌ في أقطارِ الدنيا؛ لأن البدعةَ التي بَثَّ وهي إلى الآن في أقطارِ الدنيا يَتَنَاقَلُهَا الناسُ بعضُهم عن بعضٍ، وَيُضِلُّونَ بها بعضَهم عن بعضٍ، فهل نقولُ: هذا مُقْلِعٌ؛ لأنه فَعَلَ غايةَ ما يستطيعُ، أو نقولُ: ليس بِمُقْلِعٍ؛ لأن فسادَه لم يَزَلْ فهو منتشرٌ في أقطارِ الدنيا الآنَ؟

وَمِنْ هذا القبيلِ: مَنْ غَصَبَ أرضًا، كأن غَصَبَ أرضًا مثلاً عشرينَ مِيلاً في عشرينَ ميلاً وهو جالسٌ في وسطِها، ثم إنه نَدِمَ على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015