الغصبِ وأرادَ أن يخرجَ من الأرضِ المغصوبةِ نَادِمًا، الزمنُ الذي يمكثُه قبلَ أن يخرجَ منها لو أدركَه الموتُ وهو فيها هل نقولُ: هل هذا تائبٌ؛ لأنه فَعَلَ غايةَ ما يستطيعُ؟ أو نقولُ: لَمْ يُقْلِعْ؛ لأنه إلى الآن لم يَتَخَلَّ عن الشيء الذي غَصَبَهُ، بل هو في حوزتِه إلى الآن؟ وهو يشغلُه بجسمِه؟ ومن هذا المعنَى: مَنْ رَمَى إنسانًا مِنْ بَعِيدٍ بسهمٍ ثُمَّ لَمَّا فَارَقَ السهمُ نَدِمَ والسهمُ في الهواءِ فتابَ إلى اللَّهِ (جلَّ وعلا) والسهمُ في الهواءِ، ثم بعدَ أن تَابَ أَصَابَ السهمُ في الرميةِ فَقَتَلَهُ، هل نقولُ: هو تائبٌ؛ لأنه فَعَلَ في ذلك الوقتِ ما يستطيعُ، أو نقولُ: ليسَ بِتَائِبٍ؛ لأن فسادَه منتشرٌ، وَأَثَرُ جريمتِه بَاقٍ لم يَنْقَطِعْ؟ هذه مسائلُ اختلفَ فيها علماءُ الأصولِ حولَ الإقلاعِ عن الذنبِ في التوبةِ (?). والمحققونَ مِنْ علماءِ الأصولِ أن الإنسانَ إذا فَعَلَ غايةَ ما في وِسْعِهِ وَنَدِمَ على ما صَدَرَ منه أن اللَّهَ يغفرُ له بذلك ويتوبُ عليه؛ لأن اللَّهَ يقولُ: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: آية 286] وهذا معنَى قولِه: {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} مفعولُ المشيئةِ محذوفٌ، أي: ويتوبُ اللَّهُ على مَنْ يشاءُ أن يتوبَ عليه {وَاللَّهُ} (جلَّ وعلا) {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} كثيرُ المغفرةِ والرحمةِ لعبادِه؛ لأَنَّ اللَّهَ غفورٌ رحيمٌ، فقد جاء في غزوةِ حُنَيْنٍ هذه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى امرأةً من السَّبْيِ تَصِيحُ تطلبُ ولدَها وهي في غايةِ التشويشِ إليه حتى وَجَدَتْهُ فَجَعَلَتْ تُقَبِّلُهُ وَتَضُمُّهُ إليها من شدةِ شَفَقَتِهَا عليه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا هَذَا فِي النَّارِ؟» قالوا: لاَ. قال: «ولِمَ؟» قالوا: لشفقتها عليه.
قال: «اللَّهُ أَرْحَمُ بِكُمْ مِنْ هَذِهِ