هذا الإشكالُ أَجَابَ عنه العلماءُ بأن المرادَ بإيجابِ الندمِ هو إيجابُ الأخذِ في أسبابِه؛ لأن الإنسانَ إذا أَخَذَ بأسبابِ الندمِ أَخْذًا صحيحًا ولم يُحَابِ نفسَه لاَ بد أن يندمَ، وَمَنْ كانت أسبابُه الموصلةُ إليه متيسرةً في طوعِ المكلفِ فكأنه مُتَيَسِّرٌ في طاقةِ المكلفِ؛ لأن الإنسانَ إذا أَخَذَ نفسَه أَخْذًا حَقِيقِيًّا وعرَّفها في داخلِ قرارةِ نفسِه أنه لا يوجدُ في الدنيا إنسانٌ يَبْلُغُ من الْبَلَهِ والتغفيلِ ما يستلذُّ به طعامًا أو شرابًا حُلْوًا وفيه سُمٌّ قَاتِلٌ؛ لأن عامةَ العقلاءِ لاَ يحبونَ الطعامَ الحلوَ ولا الشرابَ الحلوَ ولو كان في غايةِ اللذاذةِ والحلاوةِ إذا كان في داخلِه سمٌّ فَتَّاكٌ قَاتِلٌ، هذا يعافُه جميعُ الناسِ ويكرهونَه، ولا شَكَّ أن حلاواتِ المعاصِي ولذاذاتِها عند الجَهَلَةِ، وإنما هي منطويةٌ عليه من السمِّ القاتلِ الفتاكِ، وهو سَخَطُ خالقِ السماواتِ والأرضِ وغضبُه، أن العاقلَ إذا تَأَمَّلَ في هذا تَأَمُّلاً حقيقيًّا ولم يُحَابِ نفسَه وأخذَها بالتحقيقِ لا بد أن يندمَ؛ لأن الإنسانَ لو نَالَ ما نَالَ من حلاوةِ الذنبِ فهو يعلمُ أن تلك الحلاوةَ منطويةٌ على أَشَدِّ السمومِ وَأَفْتَكِهَا وهو سخطُ خالقِ السماواتِ والأرضِ وغضبُه؛ لأنه قد يستوجبُ هلاكَه في الدنيا وعذابَه السرمديَّ في الآخرة، وهذا معروف؛ لأنه لا يأخذُ الإنسانَ في أسبابِ الندمِ أَخْذًا صحيحًا حَقِيقِيًّا ويعرفُ عواقبَ الذنبِ وسرعةَ انقضاءِ حلاوتِه.
فَلاَ تَقْرَبِ الأَمْرَ الْحَرَامَ فَإِنَّمَا ... حَلاَوَتُهُ تَفْنَى وَيَبْقَى مَرِيرُهَا (?)
**** ... **** ...
تَفْنَى اللَّذَاذَةُ مِمَّنْ نَالَ صَفْوَتَهَا ... مِنَ الْمَعَاصِي وَيَبْقَى الإِثْمُ وَالْعَارُ
تَبْقَى عَوَاقِبُ سُوءٍ مِنْ مَغَبَّتِهَا ... لاَ خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِنْ بَعْدِهَا النَّارُ (?)