اللَّهَ يتوبُ على مَنْ تَابَ عليه، كما قال (جلَّ وعلا): {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [التحريم: آية 8] وهم يقولونَ: «عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ» (?). هذا فيه إشكالانِ معروفانِ:

أحدُهما: أن التوبةَ واجبةٌ بإجماعِ العلماءِ فَوْرًا من كُلِّ ذَنْبٍ يُجْتَرَمُ. فعلينا جميعًا إذا صَدَرَ من الواحدِ مِنَّا ذنبٌ أن يرجعَ إلى اللَّهِ ويتوبَ إليه فورًا ولا يؤخرَ التوبةَ من ذلك، فإن أَخَّرَهَا كان تأخيرُها ذَنْبًا يحتاجُ إلى توبةٍ أخرى. والندمُ من أركانِها بالإجماعِ، وركنُ الواجبِ واجبٌ إجماعًا، فالندمُ على الذنبِ واجبٌ؛ لأنه من أركانِ التوبةِ، وركنُ الواجبِ واجبٌ، والإشكالُ هنا في الندمِ؛ لأن المعروفَ أن الندمَ من الانفعالاتِ النفسيةِ والتأثراتِ، لا من الأفعالِ الاختياريةِ كما هو مُشَاهَدٌ، والعلماءُ مُجْمِعُونَ على أنه لا تكليفَ إلا بفعلٍ اختياريٍّ، وأن الانفعالاتِ والتأثراتِ النفسانيةَ لا يَمْلُكُهَا أَحَدٌ، فكيف يُكَلَّفُ بالندمِ ويُوجِبُ عليه وهو انفعالٌ وتأثرٌ نَفْسَانِيٌّ ليسَ تحتَ طاقتِه، وأنتَ تُشَاهِدُ الإنسانَ يُجَاهِدُ نفسَه ليطردَ عنها الندمَ، كالبائعِ المغبونِ يتجلدُ وَيَتَقَوَّى ويريدُ أن لا يندمَ وهو يندمُ غَصْبَ أَنْفِهِ؛ لأنه انفعالٌ وتأثرٌ، كما أن بعضَ الناسِ يريدُ أن يَنْدَمَ ولا يندمُ إذا كان الذنبُ الذي وَقَعَ فيه - والعياذُ بالله - مِمَّا كان يَشْتَهِيهِ جِدًّا، كالذي يظفرُ بِقُبْلَةٍ من امرأةٍ يعشقُها، إذا أخطرَ ذلك على قلبِه يصعبُ عليه أن يندمَ عليه؛ لأنها أُمْنِيَتُهُ التي كان يرجوها فإذا كان الندمُ قد يريدُه الإنسانُ ولا يَجِدُهُ، وقد يدفعُه عنه ولا يندفعُ، وهو انفعالٌ وتأثرٌ نفسانيٌّ فكيف يكونُ ركنًا من أركانِ التوبةِ، ويكونُ واجبًا، ومعلومٌ إجماعُ العلماءِ على أن اللَّهَ لاَ يُكَلِّفُ إلا بِفِعْلٍ؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015