يومَ أُحُدٍ فقد صَرَّحَ بأنه تابَ عليهم في قولِه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} [آل عمران: آية 155].

وقولُه هنا: {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} التوبةُ تُطْلَقُ من اللَّهِ على عبدِه، ومن العبدِ إلى رَبِّهِ، فإذا أُطْلِقَتِ التوبةُ من العبدِ إلى رَبِّهِ عُدِّيَتْ بـ (إلى) ولم تُعَدَّ بـ (على) تقولُ: تُبْتُ إلى اللَّهِ. ولا تقولُ: تُبْتُ على اللَّهِ. وإذا تَوَجَّهَتْ من الربِّ إلى عبدِه عُدِّيَتْ بـ (على) تقولُ: تَابَ اللَّهُ عليه. ولم تَقُلْ: تَابَ إليه. أما التوبةُ الواقعةُ من المخلوقينَ فإن الوصفَ منها يُطْلَقُ على (تَائِبٍ) وعلى (تَوَّابٍ) بصيغةِ المبالغةِ. أما توبةُ اللَّهِ على عَبْدِهِ فلم يَأْتِ الوصفُ منها إلا على (تَوَّابٍ).

وقد قَدَّمْنَا مِرَارًا (?) أن توبةَ العبدِ إلى رَبِّهِ المستوجبةِ لتوبةِ اللَّهِ على عَبْدِهِ أنها واجبةٌ فَوْرًا مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، وأن مَنْ أَخَّرَهَا كان ذلك ذَنْبًا تَجِبُ منه التوبةُ.

وقد قَدَّمْنَا في هذه الدروسِ مِرَارًا (?) أن في التوبةِ إلى اللَّهِ (جلَّ وعلا) إِشْكَالَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ عندَ العلماءِ:

أحدُهما: إِطْبَاقُ العلماءِ على أن توبةَ العبدِ إلى رَبِّهِ هي مُرَكَّبَةٌ من ثلاثةِ أركانٍ، وهي: إقلاعُه عن الذنبِ إن كان مُتَلَبِّسًا به، وَنَدَمُهُ على ما صَدَرَ منه، ونيتُه أن لا يعودَ. فهذه هي الأركانُ التي تتألفُ منها توبةُ العبدِ النصوحُ إلى رَبِّهِ، الذي إذا فَعَلَهَا جاءته توبةُ اللَّهِ؛ لأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015