أُحُدٍ، ولا فيمن انْهَزَمَ منهم يومَ حُنَيْنٍ؛ لأن بعضَ الصحابةِ انْهَزَمُوا يومَ أُحُدٍ، وبعضُهم لم يرجعوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} ثم قال: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: آية 155] ثم قال هنا: {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [التوبة: آية 27] فَأَشَارَ إلى أنه تَابَ عليهم من هزيمتِهم.

وهذا معنَى قولِه: {وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وهم هوازنُ، عَذَّبَهُمْ بأيدِي المؤمنينَ حيث قَتَلُوهُمْ قَتْلاً وَجِيعًا وَأَسَرُوهُمْ وَأَخَذُوا أولادَهم ونساءَهم وأموالَهم مِصْدَاقًا لقولِه: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14)} [التوبة: آية 14] {وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الذين كانوا يقاتلونَ النبيَّ وأصحابَه كهوازنَ {وَذَلِكَ} العذابُ {جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة: آية 26] ثم اللَّهُ تعالى قال: {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [التوبة: آية 27] قال بعضُ العلماءِ: {يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} يدخلُ فيه المنهزمونَ الذين انهزموا عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَنْ رَجَعَ منهم وَكَرَّ ومَنْ لَمْ يَرْجِعْ. قالوا: ويدخل فيه الكافرونَ الذين قال اللَّهُ: {وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [التوبة: آية 26] لأَنَّ كثيرًا منهم تَابُوا فَتَابَ اللَّهُ عليهم. وقد كان رئيسُ هوازنَ مالكُ بنُ عوفٍ (رضي الله عنه) أَسْلَمَ وكان من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لَمَّا انْهَزَمَتْ هوازنُ رَاحَ مع فَلِّ الطائفِ - والفَلُّ هو بقيةُ الْمُنْهَزِمِينَ - وَتَحَصَّنَ بحصنِ الطائفِ، فَأَرْسَلَ إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم سِرًّا: أنه إِنْ قَدِمَ إليه رَدَّ إليه أهلَه وولدَه وأعطاه. فَخَافَ إن أَعْلَمَ ثَقِيفًا بذلك أن يَمْنَعُوهُ، فأمر أن يُرْحَلَ جَمَلُهُ في مَحَلٍّ عَيَّنَهُ لهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015