الثالثةُ: الملائكةُ الذين نَزَلُوا بِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم يومَ دَخَلَ في الغارِ هو وصاحبُه، وسيأتِي بَسْطُ قِصَّتِهِمْ - إن شاء الله - في هذه السورةِ الكريمةِ سورةِ براءةٍ، وذلك في قولِه: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} [التوبة: آية 40] فَفِي هذه المواضعِ الثلاثةِ كُلِّهَا يقيدُ بـ (لَمْ تَرَوْهَا)، (لَمْ تَرَوْهَا) لأنه يُنْزِلُ ملائكةً لاَ يراهم بنو آدمَ؛ لأنهم ليسوا من شَكْلِهِمْ ولا من جِنْسِهِمْ حتى يَرَوْهُمْ.

وفي الموضعِ الرابعِ لم يُقَيِّدْ بقولِه: (لَمْ تَرَوْهُمْ) وهو الملائكةُ النازلونَ يومَ بدرٍ، المذكورونَ في الأنفالِ وآلِ عمرانَ، حيث قال اللَّهُ في الأنفالِ: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرَّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} الآية [الأنفال: آية 13]. وَذَكَرَهُمْ أيضًا في سورةِ آلِ عمرانَ في قولِه: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ ... } إلى قولِه: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)} [آل عمران: الآيتان 123، 124] وقد قَدَّمْنَا في سورةِ الأنفالِ (?)

أن أَظْهَرَ الأقوالِ أن الملائكةَ قَاتَلَتْ يومَ بدرٍ، وأنها لم تُقَاتِلْ في غيرِها بل تأتِي لِتَجْبِينِ الكفارِ وتقويةِ قلوبِ المؤمنينَ وَنُصْرَتِهِمْ، هذا هو الظاهرُ، وقد ذَكَرَ (جل وعلا) فَرْقًا شَاسِعًا بَيْنَ مَنْ يَفِرُّ في غزوةِ بدرٍ وَمَنْ فَرَّ في غيرِها؛ لأنه شَدَّدَ غايةَ التشديدِ فيمن يَفِرُّ فِي غزوةِ بَدْرٍ كما تَقَدَّمَ في قولِه: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ} [الأنفال: آية 16] بهذا التشديدِ العظيمِ، ولم يَقُلْ مثلَ هذا فِيمَنِ انهزمَ من الصحابةِ يومَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015