أي: كَمْ مَشْهَدِ حَرْبٍ. لقد أعانكم اللَّهُ على أعدائكم في مواقفَ ومشاهدَ عديدةٍ، كما نَصَرَكُمْ يومَ بدرٍ، ويومَ الخندقِ، ويومَ قريظةَ، ويومَ النضيرِ، ويومَ الحديبيةِ، ويومَ فتحِ مكةَ، إلى غيرِ ذلك من المواقفِ التي تَخْرُجُونَ منها وأنتم ظاهرونَ منصورون.
{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} قيل: التقديرُ: في أيام مواطن، ويوم حنين أيضًا، أي: ولقد نصركم يومَ حنينٍ {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} يومَ حنينٍ حِينَ الْتَقَوْا بهوازنَ، وكانوا كَمَنُوا لهم في مضايقِ وادِي حنينٍ ومخارمِه وأحنائِه، ثم شَدُّوا عليهم شدةَ رجلٍ واحدٍ، وكانوا في هذه الوقعةِ قبلَ ملاقاةِ العدوِّ كأن الصحابةَ أُعْجِبُوا بكثرتِهم لأنهم اجْتَمَعَ منهم ذلك اليومَ شيءٌ لم يَجْتَمِعْ مثلُه قَطُّ فيما مَضَى، وقالوا: لن نُغْلَبَ اليومَ مِنْ قِلَّةٍ. فَبَيَّنَ لهم اللَّهُ أن النصرَ من عندِه وحدَه، لا بالعددِ ولا بالعُددِ {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: آية 126] {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} أُعْجِبْتُمْ بكثرةِ عددِكم وقلتُم: لَنْ نُغْلَبَ اليومَ مِنْ قِلَّةٍ {فَلَمْ تُغْنِ} هي، أي: الكثرةُ التي أَعْجَبَتْكُمْ لم تُغْنِ {عَنْكُمْ شَيْئًا} لم تُفِدْكُمْ ولم تُجْدِكُمْ قَبْلَ أن يُنَزِّلَ اللَّهُ عليكم سكينتَه وينصرَكم. وهذا امتحانٌ من اللَّهِ وابتلاءٌ وبيانٌ لِخَلْقِهِ أن النصرَ بيدِه وحدَه لاَ بكثرةِ العددِ ولا بكثرةِ العُددِ؛ ولذا لَمَّا أَمَدَّهُمْ بالملائكةِ بَيَّنَ لهم مع ذلك أن النصرَ به وحدَه، قال: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: آية 126] {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: آية 25] فلم تَنْفَعْكُمْ ولم تُجْدِ عنكم شيئًا. والعربُ تقولُ: هذا لا يُغْنِي شيئًا، وما أَغْنَى عَنِّي هذا شيئًا. يَعْنُونَ: ما نَفَعَنِي وما أَجْدَانِي.