وَيَأْسِرُونَهُمْ، ثم إنهم فَرُّوا وَانْهَزَمُوا، طائفةٌ منهم فيها سَيِّدُهُمْ مالكُ بنُ عوفٍ انْهَزَمُوا ورجعوا إلى حصنِ الطائفِ فَتَحَصَّنُوا به، وطائفةٌ عَسْكَرُوا في أوطاس.
وأوطاس محلٌّ هو وَحُنَيْنٌ يَجْمَعُهُمْ وَادٍ واحدٌ، إلا أنهم عَسْكَرُوا في محلٍّ بعيدٍ منه، فأرسلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في أَثَرِهِمْ سريةً أَمَّرَ عليها أبا عامرٍ الأشعريَّ (رضي الله عنه)، ومعه في تلك السريةِ ابنُ عَمِّهِ أبو موسَى الأشعريُّ، فَأَدْرَكَ أَبُو عَامِرٍ فَلَّهُمْ، وأخذَ ما عندهم من السَّبَايَا أيضًا، وَاسْتُشْهِدَ أبو عامرٍ، أَصَابَهُ سهمٌ في ركبتِه فماتَ، واسْتَحَرَّ القتلُ ذلك اليومَ في ثقيفٍ خاصةً، ثم في بَنِي مَالِكٍ فَقُتِلَ منهم سبعونَ رجلاً، أو أكثرَ، وقتلَ قومٌ من أصحابِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وكثيرٌ من هوازنَ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ تباركَ وتعالى، وفي ذلك اليومِ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ» (?).
وكان أبو قتادةَ (رضي الله عنه) كما ثَبَتَ عنه رَأَى رَجُلاً عليه رَجُلٌ من المشركين يريدُ أن يقتلَه، فجاءَ فَضَرَبَ المشركَ من ورائِه على حَبْلِ عاتقِه فَقَطَعَ دِرْعَهُ وَقَطَعَ حبلَ عاتقِه، قال: فَرَجَعَ إِلَيَّ فضمني ضَمَّةً شممتُ منها ريحَ الموتِ، ثم أَدْرَكَهُ الموتُ فَأَرْسَلَنِي. ثم إنه بعدَ ذلك سَأَلَ عن درعِ ذلك الرجلِ لِيَأْخُذَهَا؛ لأَنَّهُ قاتِلُه، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ» فَنَادَى أبو قتادةَ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ فلم يَجِدْ أحدًا يشهدُ له، فَأَخْبَرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجلٌ من القومِ: هو عندي يا رسولَ اللَّهِ، فَأَرْضِهِ منه. قال له أبو بكر: لاَهَا اللَّهِ لاَ يعمدُ إلى أسدٍ من أسودِ اللَّهِ يقاتلُ عن اللَّهِ ورسولِه فيعطيك سَلَبَهُ!! قال له صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ» (?).