أصحابَ السَّمُرَةِ. والسَّمُرَةُ هي شجرةُ الحديبيةِ التي وَقَعَتْ تحتَها بيعةُ الرضوانِ، وقد بَايَعُوهُ فيها على أن لا يَفِرُّوا عنه. وفي بعضِ المراتِ يقولُ: يا أصحابَ السمرةِ، يا أصحابَ سورةِ البقرةِ. يَدْعُوهُمْ. فَسَمِعُوا نداءَه فقالوا: يَا لَبَّيْكَ. وتراجعَ إليه المسلمونَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ، وقد أَعْجَزَهُمْ أن يَرُدُّوا الأباعرَ التي يَرْكَبُونَهَا؛ لأنها آلَمَهَا وَقْعُ السِّهَامِ، فلم يَقْدِرُوا على رَدِّهَا ولا عَطْفِهَا.
قال العباسُ بنُ عبدِ المطلبِ (رضي الله عنه): فَوَاللَّهِ لَمَّا نَادَيْتُهُمْ فَسَمِعُوا صَوْتِي فكأنما عَطَفُوا عليه عطفةَ البقرِ على أولادِها. وكان (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه) أَخَذَ قبضةً من ترابٍ فَرَمَى بها في أَوْجُهِ القومِ وقال: شَاهَتِ الوجوهُ. وَذَكَرَ ابنُ عبدِ البرِّ وغيرُ واحدٍ أنه رَوَى من طرقٍ كثيرةٍ عن أولادِ أولئك الجيشِ الذين أَسْلَمُوا بعدَ ذلك أنهم قالوا: لَقِينَا أصحابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَمَا لَبِثْنَا أَنْ هَزَمْنَاهُمْ وَاتَّبَعْنَاهُمْ حتى أَتَيْنَا على صاحبِ البغلةِ الشهباءِ فَزَجَرَنَا زَجْرًا قَوِيًّا، وَأَخَذَ قبضةً من ترابٍ وَحَصًى فرمى بها في أَوْجُهِنَا فلم تبقَ عينٌ ولا فَمٌ إلا امْتَلأَتْ من ذلك الْحَصَى. وَرَجَعُوا مُنْهَزِمِينَ، فَمِنْ ذلك الوقتِ الذي رَمَى تلك القبضةَ في أَوْجُهِهِمْ وكان حَدُّهُمْ كَلِيلاً وَأَمْرُهُمْ مُدْبِرًا. ثم إنه (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه) وكان العباسُ بنُ عبدِ المطلبِ (رضي الله عنه) في ذلك اليومِ شديدَ الشجاعةِ يُنوِّه بالنفرِ الذين بَقَوْا مَعَهُ، والذي يقولُه العباسُ في شعرِه أنهم عَشَرَةٌ فقط حيث يقول (?):