الصبحِ - فَانْحَدَرُوا في وَادِي حنينٍ يَمْشُونَ، فلم يَشْعُرُوا بشيءٍ إلا وقد دَخَلُوا في مكمنِ القومِ، فَشَدُّوا عليهم شدةَ رجلٍ واحدٍ، وصارت الرماحُ والسهامُ كأنها رِجْلُ جرادٍ منتشرٍ عليهم، فَوَقَعَ مَا وَقَعَ، وَزَلَّ المسلمونَ، وَوَقَعَ ما قَالَ اللَّهُ: {فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} فَثَبَتَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو على بغلتِه البيضاءِ، وبعضُهم يقولُ: الشهباء؛ لأَنَّ لونَها بياضٌ فيه شُهبةٌ. والعباسُ بنُ عبدِ المطلبِ (رضي الله عنه) آخِذٌ بِزِمَامِهَا. وبعضُهم يقولُ: آخِذٌ بِرِكَابِهَا الأيمنِ، أو حَكَمَتِهَا، وَآخِذٌ بِرِكَابِهَا الثانِي أبو سفيانَ بنُ الحارثِ بنِ عبدِ المطلبِ، وكان مع النبيِّ جماعةٌ من آلِ بيتِه، منهم عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالبٍ (رضي الله عنه)، والعباسُ بنُ عبدِ المطلبِ، وَأَبُو سفيانَ بنُ الحارثِ، والفضلُ بنُ العباسِ بنِ عبدِ المطلبِ (رضي الله عنهم)، وربيعةُ بنُ الحارثِ بنِ عبدِ المطلبِ، وأسامةُ بنُ زيدٍ، وأيمنُ بنُ أُمِّ أيمنَ مولاةِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَثَبَتَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذلك الثباتَ العظيمَ، وكان يركضُ البغلةَ في نَحْرِ الْعَدُوِّ يسرعُ إليهم ويقولُ:

أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ

وهذا من الشجاعةِ منقطعُ النظيرِ (?)؛ لأنه على بغلةٍ لاَ تُحْسِنُ الْكَرَّ وَلاَ الْفَرَّ، لا تصلحُ لِكَرٍّ وَلاَ لِفَرٍّ، وقد انكشفَ عنه أصحابُه (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه)، وليس مَعَهُ إِلاَّ قومٌ قليلٌ، ومع هذا يركضُ في وجهِ العدوِّ وَيُنَوِّهُ بِاسْمِهِ ليعرفَه مَنْ لَمْ يكن يعرفه!! وقال للعباسِ بنِ عبدِ المطلبِ - وكان رَجُلاً ضَخْمًا قَوِيًّا جهيرَ الصوتِ جِدًّا - "نَادِ: يَا أَصْحَابَ السَّمُرَةِ" فنادَى العباسُ بأعلى صوتِه: يَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015