جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (27)} [التوبة: الآيات 25 - 27].
{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ} اللامُ جوابُ قَسَمٍ محذوف، وَاللَّهِ لقد نصركم اللَّهُ. أي: أعانَكم على أعدائِكم {فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} أي: في مشاهدَ ومواضعَ كثيرةٍ، كما نصركم يومَ بدرٍ، ويومَ الأحزابِ، ويومَ فتحِ مكةَ، إلى غيرِ ذلك {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} [التوبة: آية 25] بَيَّنَ اللَّهُ في هذه الآيةِ الكريمةِ أن النصرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وحدَه، لا بكثرةِ العددِ ولا بكثرةِ العُددِ {كَم مِّنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: آية 249] لأن أكثرَ غزاةٍ قبلَ تبوك غزاها النبيُّ صلى الله عليه وسلم غزوةُ حُنَيْنٍ، كانوا اثْنَيْ عَشَرَ ألفًا، عشرة آلافِ مقاتلٍ فَتَحَ بهم مكةَ، وألفانِ من مَسْلَمَةِ الفتحِ من قريش وَمَنْ معهم وهم الطلقاءُ. وكان بعضُ العلماءِ يقول: إنه دَخَلَ مكةَ وَفَتَحَهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ ألفًا. فيكون المجموعُ: أربعةَ عشرَ ألفًا. ذَكَرُوا أن الصحابةَ قالوا: لن نُغْلَبَ اليومَ من قِلَّةٍ. بعضُهم يقولُ: إن هذه قَالَهَا أبو بكر (رضي الله عنه)، وقيل: قَالَهَا رجلٌ آخَرُ. فَلَمَّا أَعْجَبَتْهُمُ الكثرةُ وأنهم كانوا اثني عشر ألفًا، أو أربعةَ عشرَ ألفًا، وقيل: ستةَ عشرَ ألفًا. وأكثرُ الرواياتِ أنهم كانوا اثْنَيْ عشرَ ألفًا، عشرةُ آلافٍ فَتَحَ بهم مكةَ، وألفانِ من أهلِ مكةَ أَسْلَمُوا وَغَزَوْا معه {فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ} هذه الكثرةُ {شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} وهذا نَصُّ اللَّهِ فيه على ما وَقَعَ بالمسلمينَ أولَ وقعةِ حُنَيْنٍ، يُبَيِّنُ لهم أن النصرَ من عنده (جلَّ وعلا) وحدَه لاَ مِنْ كثرةِ العددِ والعُددِ.