وقد قَدَّمْنَا في هذه الدروسِ مِرَارًا (?) أن أصلَ مادةِ (الظلمِ) مادةُ: (الظاء واللام والميم) (ظَلَم) أنها في لغةِ العربِ التي نَزَلَ بها القرآنُ أصلُها في الوضعِ العربيِّ: هو وضعُ الشيءِ في غيرِ مَحَلِّهِ. فَمَنْ وَضَعَ شيئًا في غيرِ مَحَلِّهِ تقولُ العربُ: إنه ظَلَمَ؛ لأنه وَضَعَ الشيءَ في غيرِ محله. ومنه قالوا للذي يَضْرِبُ لَبَنَهُ قبلَ أن يروبَ: «ظالم». لأنه وَضَعَ الضربَ في غيرِ محلِّه؛ لأنه يُفْسِدُ زُبْدَهُ، ومنه قولُ الشاعرِ (?):
وَقَائِلَةٍ ظَلَمْتُ لَكُمْ سِقَائِي ... وَهَلْ يَخْفَى عَلَى الْعَكَدِ الظَّلِيمُ
وقولُ الآخَرِ (?):
وَصَاحِبِ صِدْقٍ لَمْ تَرِبنْيِ شَكَاتُهُ ... ظَلَمْتُ وَفِي ظُلْمِي لَهُ عَامِدًا أَجْرُ
أصلُ الظلمِ هو وضعُ الشيءِ في غيرِ محلِّه، وجاءَ في القرآنِ في موضعٍ واحدٍ بمعنَى النقصِ، وهو: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: آية 33] أي: ولم تَنْقُصْ منه شيئًا. وأصلُ الظلمِ: وضعُ الشيءِ في غيرِ محلِّه، وأعظمُ أنواعِ وضعِ الشيءِ في غيرِ محلِّه: الكفرُ بالله؛ لأنه وَضْعٌ للعبادةِ في غيرِ مَنْ خَلَقَ، فالذي يأكلُ رزقَ اللَّهِ، ويتقلبُ في نعيمِه، ويعبدُ غيرَه قد وَضَعَ عبادتَه في غَيْرِ موضعِها؛ فهو ظالمٌ، وهذا أكبرُ أنواعِ الظلمِ؛ ولأجلِ هذا يكثرُ في القرآنِ العظيمِ إطلاقُ الظلمِ على الكفرِ، كما قال تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: آية 254] وقال تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ