مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (106)}، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: آية 13] وقد ثَبَتَ فِي صحيحِ البخاريِّ (?) أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَّرَ قولَه تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: آية 82] قال: بِشِرْكٍ. ثم تلاَ آيةَ لقمانَ: {يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} هذا أصلُ الظلمِ. وقد يكونُ ظلمٌ دونَ ظُلْمٍ؛ لأن مَنْ أَطَاعَ الشيطانَ وَعَصَى رَبَّهُ بغيرِ ما يكفرُ به قد وضعَ الطاعةَ في غيرِ موضعِها، ووضع المعصية في غير موضعِها حيث عَصَى رَبَّهُ وأطاعَ عدوَّه. وَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وضعَ العبادةَ في غيرِ موضعِها؛ ولذلك هنالك ظلمٌ هو كفرٌ، وهنالك ظُلْمٌ دونَ ظلمٍ هو خروجٌ عن طاعةِ اللَّهِ لاَ يبلغُ بصاحبِه الكفرَ، وهذا معنَى قولِه: {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} لأنهم وَضَعُوا الأمرَ في غيرِ موضعِه فَاتَّخَذُوا مَنْ يَضُرُّهُمْ أولياءَ، وتركوا ما ينفعُهم من الهجرةِ والجهادِ في سبيلِ اللَّهِ. وهذا معنَى قولِه: {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)} [التوبة: آية 24].
سببُ نزولِها هو ما أَشَرْنَا له آنِفًا؛ لأَنَّ بعضَ الناسِ كان إذا أَسْلَمَ عَاقَتْهُ هذه العوائقُ عن الهجرةِ والجهادِ في سبيلِ اللَّهِ (جلَّ وعلا) بأن تُعَطِّلَهُ عن ذلك الأبناءُ والآباءُ والإخوانُ والعشائرُ والزوجاتُ والأموالُ المكتسَبةُ والتجاراتُ التي يُخاف أن تضيعَ بالكسادِ ويضيعَ