وَيَصْفَحُوا (?)، كما قال في آيةِ التغابنِ: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: آية 14] ثم قال: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي: اصْفَحُوا عنهم واغفروا لهم ولا تُؤَاخِذُوهُمْ. وهذا معنَى قولِه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ} [التوبة: آية 23] قالوا: لم يَذْكُرِ الأولادَ هنا وَذَكَرَهَا في غيرِ هذا الموضعِ، لاَ تتخذوهم أولياءَ تُوَالُونَهُمْ إذا كانوا يريدونَ أن يقطعوكم عن الهجرةِ.
{إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ} قرأ الهمزةَ الثانيةَ من قولِه: {أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ} نافعٌ وابنُ كثيرٍ وأبو عمرٍو مسهلةً بَيْنَ بَيْنَ، والباقونَ بتحقيقِها كما هو مَعْلُومٌ (?).
ومعنَى {اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ} معناه: اختارُوه وآثَرُوهُ على الإيمانِ، إن آثَرُوا الكفرَ واختارُوه على الإيمانِ لاَ تَتَّخِذُوهُمْ أولياءَ، بل قَاطِعُوهُمْ وَهَاجِرُوا ولا تَرْكَنُوا إليهم. ويتعددُ في القرآنِ إطلاقُ (اسْتَحَبَّ) بمعنَى: (اخْتَارَ) و (آثَرَ) ومنه قولُه: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: آية 17] أي: فاختارُوه وَآثَرُوهُ عليه. ومنه قولُه: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} [إبراهيم: آية 3] أي: يُؤْثِرُونَهَا ويقدمونَها عليها. وهذا معنَى قولِه: {إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ} [التوبة: آية 23] فيكونُ معهم فيما هُمْ فيه ويتركُ الهجرةَ {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.