وهذا الذي أقولُه لكم ليس من تلقاءِ نَفْسِي بل هو من تعليمِ خالقِ السماواتِ والأرضِ في المحكمِ الْمُنَزَّلِ الذي هو أعظمُ كتابٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ على أشرفِ رسولٍ؛ لأن اللَّهَ يقولُ فيه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: آية 11] فَوَضْعُ الأساسِ الأولِ الذي هو أساسُ التنزيهِ ومخالفةُ الخلقِ في ذواتِهم وصفاتِهم وأفعالِهم بقولِه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: آية 11] ثم وَضَعَ بعدَه الأساسَ الثانيَ وهو الإيمانُ بصفاتِ اللَّهِ على أساسِ ذلك التنزيهِ، لاَ إيمانًا دَنِسًا وَسِخًا ذَاهِبًا إلى صفاتِ الخلقِ، لا .. لا .. لا، بل هو إيمانٌ مُنَزَّهٌ مَبْنِيٌّ على أساسِ التنزيهِ. وقولُه: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} بَعْدَ قولِه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فيه سِرٌّ أَعْظَمُ، ومغزًى أكبرُ، وتعليمٌ عظيمٌ من رَبِّ العالمين، كأنه يقولُ لَكَ: تَعَقَّلْ يا عبدي وَتَفَهَّمْ، ولا تَنْفِ عَنِّي سمعي وبصري بدعوى أن المخلوقاتِ تسمعُ وَتُبْصِرُ، وأن إثباتَ ذلك فيه تشبيهٌ، لا .. لا .. ، رَاعِ في إثباتِ السمعِ والبصرِ أولَ الآية، وَابْنِهِ على نَفْيِ المماثلةِ والمخالفةِ، وَارْبِطْ أولَ الآيةِ بِآخِرِهَا، فأولُها تنزيهٌ، وآخرُها إيمانٌ بالصفاتِ على أساسِ ذلك التنزيهِ، فلا تَقْطَعْ أولَ الآيةِ من آخرِها، ولاَ آخرَها من أولِها، بل ارْبِطْ بينَهما، ولا تَقُلْ: المخلوقاتُ تسمعُ وتبصرُ، وإثباتُ السمعِ والبصرِ لله تَشْبِيهٌ. لا، أَثْبِتِ السمعَ والبصرَ، ولكن إثباتًا مبنيًّا على {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} لا إثباتًا وسخًا نَجِسًا قذرًا ذاهبًا إلى صفاتِ الخلقِ، لاَ .. لاَ، فأولُ الآيةِ تنزيهٌ بلا تعطيلٍ، وآخرُها إيمانٌ بالصفاتِ وإثباتٌ لها بِلاَ تمثيلٍ.