وفي القراءة الأُخرى: {تَهْجُرُونَ} (?). {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} أي: بالبيتِ، على أَظْهَرِ التفسيرين؛ لأنهم يتكبرون به بأنهم قُطَّانه وعُمَّاره وأولياؤه، فَرَدَّ اللَّهُ عليهم في هذه الآيةِ الكريمةِ. وقد قدمنا طرفًا من ذلك في سورةِ الأنفالِ في قولِه: {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (34)} [الأنفال: آية 34]. وقال هنا: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ} ما يصح ولا ينبغي ولا يمكن هذا التناقضُ؛ لأن المساجدَ بيوتُ اللَّهِ، أُسِّسَتْ على طاعتِه والتقربِ إليه بما يرضيه، والمشركونَ كفَرَةٌ فجَرَةٌ، أعمالُهم في المساجدِ كلِّها كفرٌ وتمردٌ على الله وَعُدْوَانٌ، كيف يكونُ هذا يجتمعُ مع هذا؟! لأن المساجدَ إنما بُنِيَتْ لطاعةِ اللَّهِ، وتُؤَسَّسُ على ما يُرْضِي اللَّهَ (جلَّ وعلا) وهؤلاء كفَرَةٌ أعمالُهم كلُّها كفرٌ وصدٌّ عن سبيل الله، فهذا من الشيء الذي لا يمكنُ أن يجتمعَ؛ لأن فيه اجتماعَ النقيضين. وهذا معنَى قولِه: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة: آية 17] وفي قراءةِ ابنِ كثيرٍ وأبِي عمرٍو: {يعمروا مسجدَ الله} هو المسجد الحرام، مسجد مكة حرسها الله.

وقولُه: {شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} هذا محلُّ التناقضِ؛ لأن عمارةَ المسجدِ الحرامِ فِعْلُ الْمُطِيعِينَ والمتقربين إلى اللَّهِ، كيف يفعلونَ هذا في وقتِ الحالِ التي هم شاهدونَ فيها على أنفسِهم بالكفرِ؟

وقولُه: {شَاهِدِينَ} حالٌ من واوِ الفاعلِ في قولِه: {يَعْمُرُوا} أي: يعمروها في حالِ كونِهم شاهدين على أنفسِهم بالكفرِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015