[3/أ] / قال بعضُ العلماءِ (?): شهادتُهم على أنفسِهم بالكفرِ إنما هي بأفعالِهم؛ لأن مَنْ سَجَدَ ووضعَ جبهتَه للصنمِ فقد شَهِدَ على نفسِه، وَنَادَى بأعظمِ الكفرِ وأفظعِه. وعلى هذا فهي شهادةُ حَالٍ.
وقال بعضُ العلماءِ: هي شهادةُ مقالٍ أيضًا، فهم شاهدون بالحالِ والمقالِ. قالوا: يُرَادُ بذلك أنهم في تَلْبِيَتِهِمْ وطوافِهم بالبيتِ في المسجدِ الحرامِ يقولونَ: لَبَّيْكَ لا شريكَ لكَ، إلا شريكًا هو لَكَ، تملكُه وما مَلَكَ [وقال بعضُ العلماءِ: شهادتُهم على أنفسِهم بالكفرِ هو أن الكافرَ إذا قلتَ له: ما دِينُكَ؟ فيقول] (?) النصرانيُّ: نصرانيٌّ، والصابئ: صابئٌ، والمشركُ يقول: مشرك؛ لأنه يَعْبُدُ مع الله غيرَه. والله (جلَّ وعلا) ذَكَرَ مثلَ هذا من شهادتِهم على أنفسِهم في غيرِ هذا الموضعِ كقولِه: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7)} [العاديات: الآيتان 6، 7] أي: الإنسان، وفيه الأقوالُ المذكورةُ هنا. وهذا معنَى قولِه: {شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} لأن عمارةَ مساجدِ اللَّهِ هي من القربةِ والطاعةِ لله لا تمكن من أحد هو في حال وقت فعله إيَّاها شاهدٌ على نفسه بأنه كافر.
وعمارةُ المسجدِ الحرامِ تشملُ أَمْرَيْنِ:
أحدُهما: العمارةُ الحسيةُ، وهي مَرَمَّتُهُ وبناؤُه وتزيينُ بنائه.