ومعنى خِبْرَته (جلّ وعلا): أنه يعلم الخفايا والخبايا كما يعلم الظاهر، فلا تخفى عليه خافية. وهذا الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم الذي نوَّهْنَا عنه مراراً كثيرة ولا نزال ننوه عنه. وهذا معنى قوله: {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

قال تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)} [التوبة: آية 17] {مَسَاجِدَ اللَّهِ} مساجدُ هنا ذُكِرَتْ مرتين: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} والثانية في قوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ}.

أما الأُولى منهما وهي قولُه: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} فقد قرأه عامةُ السبعةِ غيرَ ابنِ كثيرٍ وأبي عمرو: {أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} بصيغةِ جمعِ التكسيرِ. وقرأه ابنُ كثيرٍ وأبو عمرٍو: {ما كان للمشركين أن يعمروا مسجدَ الله شاهدين على أنفسهم بالكفر} (?).

أما مساجدُ الثانيةُ وهي قولُه: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} فقد أَجْمَعَ جميعُ القراءِ على قراءتِها بصيغةِ الجمعِ: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} ولم يقرأها أحدٌ بالإفرادِ كما هو معروفٌ.

وقولُه: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ} سببُ نزولِها أن كفارَ قريشٍ صَدُّوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن البيتِ الحرامِ، وقالوا: هو بيتُنا ونحن أولياؤه، وافتخروا بعمارةِ المسجدِ الحرامِ، كما يأتي. يفتخرونَ دائمًا ببيتِ اللَّهِ الحرامِ وأنهم عُمَّارُهُ وأهلُه، كما سيأتي في قولِه: {فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تُهْجِرُونَ (67)} [المؤمنون: الآيتان 66، 67]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015