وجرت العادة في القرآن أن الله تبارك وتعالى إذا جاء عنه بعض الآيات التي فيها شبه خفاء لا بد أن يبيّنه ويوضحه في بعض المواضع، وقد أوضح هذا في آية من سورة آل عمران قدمناها مراراً، أوضح فيها أنه يختبر ويبتلي ليُظهر للناس حقيقة الناس، ويعلموا المخلص من الزائف، والصادق من الكاذب، وتلك الآية هي قوله تعالى: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} [آل عمران: آية 154] بيّن أن ما أوقع بهم يوم أحد من تسليط المشركين عليهم وقتل سبعين منهم أنه فعل ذلك لأجل أن يبتليهم ويختبرهم ويمحص ما في قلوبهم، فظهر المنافقون من الصادقين، ومع هذا قال بعد قوله: {وَلِيَبْتَلِيَ} قال: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: آية 154] ومن هو عالم بما يخطر في الضمائر لا يستفيد بالاختبار علماً سبحانه (جلّ وعلا) عن ذلك. فالمراد بـ {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ} هنا إظهار مَعْلُومَهُ لِلنَّاسِ، أو العلم الذي يترتب عليه الثواب والجزاء؛ لأن الله عالم بأفعالهم قبل أن يفعلوها، وعلمه بها أولاً لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب، وعالم أيضاً بها وقت فعلها وذلك العلم الذي يترتب عليه الثواب والعقاب. وقال البغوي (رحمه الله) في تفسير هذه الآية الكريمة: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ} يعني: أحسبتم أن يترككم الله ولم يرَ الله عملكم حتى يتبيّن للناس المخلص من غيره (?).
وعلى هذا التفسير الذي فسرها به فالمعنى يشبه قوله: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة: آية 105] وعلى كل حال فيجب على كل مسلم أن يعتقد أن علم الله محيط بكل شيء،