لا يخفى عليه شيء، يعلم ما كان، وما سيكون، وما سبق في علمه أنه لا يكون يعلم أن لو كان كيف يكون. وقد قدمنا في هذه الدروس مراراً (?) الآيات الكثيرة الدالة على إحاطة علمه حتى بالمعدومات الذي سبق في علمه أنها لا توجد، وأنه عالم بأنها لو وُجدت أنها لا تكون، وأنها لو كانت يعلم كيف تكون، دلت على هذا آيات كثيرة من كتاب الله، كقوله في سورة الأنعام: {فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام: آية 27] إذا رأى الكفار الحقائق يوم القيامة نَدِمُوا عَلَى تَكْذِيب الرسل وتمنوا أن يُردوا إلى الدنيا مرة أخرى ليؤمنوا ويصدقوا الرسل، وهذا الرد الذي تمنوه الله عالم بأنه لا يكون، ومع ذلك فقد صرح بأن هذا الرد الذي لا يكون هو عالم أن لو كان كيف يكون، كما صرح به في قوله: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: آية 28] والمتخلفون عن غزوة تبوك لا يحضرونها أبداً؛ لأن الله ثبطهم عنها لحكمة وإرادة كما صرح به في قوله: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة: آية 46] وخروجهم هذا الذي لا يكون صرح بعلمه أن لو كان كيف يكون حيث قال: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ... } الآية [التوبة: آية 47].
ونظائر هذا كثيرة في كتاب الله (جلّ وعلا) وهذا معنى قوله: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ} [التوبة: آية 16] يعني: يعلمهم علماً يظهرهم به للناس حتى يتميزوا به، أما هو فهو عالم بكل ما يصنعون وما يؤولون إليه، كما قال تعالى: {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ