و (حسبتم) معناه ظننتم. والإنكار الذي في قوله: «أم» يتوجه إلى من ظن أنه يدخل الجنة من غير ابتلاء ولا امتحان. والمعنى: أحسبتم، أي: أظننتم أن الله يترككم من غير أن يختبركم بالمشاق التي يظهر بالاختبار بها المطيع من العاصي، والمحق من المبطل، والصادق من الكاذب؟ والمعنى: لا بد أن يبتليكم الله ويمتحنكم بأنواع الابتلاء، ومن أعظمها: الأمر بالجهاد في سبيل الله الذي فيه تعريض المُهَج والأمْوَال للتَّلَفِ والضياع؛ لأن ذلك يظهر به الزائف من الخالص، ويُتَبَيَّن به الصَّادِق مِنَ الكَاذِبِ، وهذا معنى قوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ} يعني أظننتم؟ الحسبان معناه الظن {أَن تُتْرَكُواْ} أن يَتْرُككم الله من غير اختبار ولا امتحان ولا ابتلاء؟ لا. لا يكون ذلك أبداً {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ} هي (لم) النافية دخلت عليها (ما) المزيدة لتوكيد النفي، وهي تدل على توقع حصول الأمر ولم يحصل بالفعل. وقوله: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ} أي: يترككم الله ولم يختبركم اختباراً يُعلم به من هو الصادق منكم ومن هو الكاذب، ومن هو المخلص وغيره.
وهذه الآيات وأمثالها في القرآن التي ربما يفهم الجاهل منها أن الله يختبرهم ليطرأ له علم بذلك الاختبار، هذا لا يُراد؛ لأنَّ عَالِمَ الغيب والشهادة عالمٌ بِمَا كان وما سيكون وما يقع، وعالم بالمعدومات والموجودات والجائزات والمستحيلات، حتى إنه مِنْ إِحَاطَةِ علمه ليعلم المعدوم الذي سبق في علمه أنه لا يوجد وأنه لا يكون يعلم أن لو كان كيف يكون، كما أوضحناه مراراً (?).