ثم إن الله لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بقتال الكفار أنكر عليهم أن يخافوا الكفار، قال: {أَتَخْشَوْنَهُمْ} بِهَمْزَةِ الإِنْكَارِ. يعني: لا تخشوا هؤلاء أبداً فإنهم كفَرَة فَجَرَة، والله (جل وعلا) أحَقّ أَنْ تَخْشَوْهُ فتمتثلوا أمره، وتقاتلوا أئمة الكفر الذين همُّوا بإخْرَاجِ الرَّسُولِ، وبدءوا بالشر أول مرة. وهذا معنى قوله: {أَتَخْشَوْنَهُمْ}.
{فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ} (إن) في قوله: {إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ} تشكل دائماً على المتعلمين وبعض العلماء (?)، و (إن) هذه هي التي اختلف فيها البصريون والكوفيون، وهي كثيرة في القرآن، فالبصريون يقولون: إن (إن) هذه أنها صيغة شرط جيء بها مراداً بها التهييج وقوة الحمل على الامتثال، وهو أسلوب عربي معروف، أن العرب تنطق بأداة الشرط ولا تريد به حقيقة تعليق جزاء على شرط، وإنما تريد به التهييج والدعوة الصارمة إلى الامتثال، كما تقول للرجل: «إن كنت ابن فلان فافعل لي كذا» وأنت تعلم أنه ابن فلان، إلا أنك تستنهضه وتستحثه، ومن هذا المعنى قول واحد من أولاد الخنساء لما أوصتهم بالجهاد في سبيل الله (?):
لستُ لخنساءَ ولا للأَخْرَمِ ... ولا لعمرو ذي الثَّنَاءِ الأَقْدَمِ ...
إن لم أَرِدْ في الجَيْشِ جَيْش الأَعْجَمي ... ماضٍ على الهولِ خِضَمّ خِضْرِمِ
يعني: إن لم أرد في الجيش فلست ابناً لأبي ولا لأمي. لا يقصد التعليق وإنما يقصد تحريض نفسه على هذا. هذا معناها عند البصريين فيما يصح فيه هذا وفيما لا يصح فيه هذا كقوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ} [الفتح: آية 27] وهم داخلوه قطعاً.