أحدهما: أن ابتداءهم لِلْقِتَالِ هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مُفَصَّلاً في سورة الأنفال في غزوة بدر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خَرَجَ فِيهَا لِلْعِير خَاصَّةً ولم يخرج للقتال، فَلَمَّا سَاحَل أبو سفيان بالعير، ونجت العير، واستنفر النفير، وجاءهم الخَبَرُ أن عِيرَهُمْ قَدْ سلمت، كان مِنْ حَقِّهِمْ في ذلك الوقت أن يرجعوا، كما أشار عليهم به عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ وعُتْبَة بن ربيعة وحكيم بن حزام، ولكن الخبيث أبا جهل قال: والله لا نرجع حتى نرد بدراً -وكانت من مواسم العرب- وتعزف علينا الغواني، ونشرب الخمر. وفي بعض الروايات أنه قال: لا نَرْجِع حتى نستأصل محمداً وأصحابه (?). فلما نجت عيرهم وجاءوا بعد ذلك إلى بَدْر مَعْنَاه أنهم يريدون الشَّرَّ، فكان هذا ابتداءهم بالشر.
وقال بعض العلماء: -وهو أظهرهما- أن معنى: {وَهُم بَدَؤُوكُمْ} أي: بدؤوكم بنقض العهود وقتْل مَنْ كان داخلاً في حِلْفِكُمْ كما وقع من قريش في إعانتهم لبني الديل بن بكر على خزاعة فقتلوهم، كما قال راجزهم (?):
هم بَيَّتُونا بالوَتِيرِ هُجَّدَا ... وقَتلُونَا رُكَّعاً وسُجَّدَا
فابتداء هذا القتل كأنهم بدءوا بالقتل ونقض العهود، وخزاعة في ذلك الوقت لهم حكم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لدخولهم في عهده. وهذا معنى قوله: {وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} كان في المرة الأولى ابتداء السوء حاصلاً منهم. وهذا معنى قوله: {وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [التوبة: آية 13].