الرؤوس. ولم يقل: فإنها لا تعمى الأدمغة. أبداً؛ لأن العَقْلَ محلُّه القَلْب هذا جاء به الوحي الصحيح وكلام مَنْ خَلَقَ القَلْبَ وتَفَضَّلَ بالقَلْبِ، فلَمْ يَأْتِ فِي آيَةٍ واحِدَة ولا في حديثٍ واحد أن مَرْكَزَ العَقْلِ فِي الدِّمَاغِ أَبَداً، لم يقل الله: لهم أدمغة يفقهون بها. أبداً، ولكن يقول: {لَهُمْ قُلُوبٌ}، و {وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} ولم يقل: وتأبى أدمغتهم.

أبداً، والذي خَلَقَ القَلْبَ وَمَنَّ به ووضعه لا شكّ أنه أعلم بالمحل الَّذِي وَضَعَ به مِنْ فَلْسَفَاتِ الكَفَرَةِ الفَجَرَةِ الجَهَلَةِ وأذْنَابِهِمْ، وهذا معنى قوله: {وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} الفسق: الخروج عن طاعة الله، فكل خارجٌ عن طاعة الله فَهُو فَاسِق، ومنه قوله: {إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: آية 50] أيْ خَرَجَ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ، والعَرَبُ تقول: فسق عن الطريق: إذا خرج منها. ومنه قول الرَّاجِزِ (?):

يَهْوَينَ في نَجْدٍ وغَوْراً غَائِراً ... فَوَاسِقاً عن قَصْدِهَا جَوَائِرَا

فواسقاً؛ أي: خارجات عن طريقهن.

والمراد بالفسق شرعاً: هو الخروج عن طاعة الله. والخروج عن طاعة الله قد يعظم، وقد يكون بعضه أعظم من بعض، فالخروج الأكبر هو الكفر بالله، والمعاصي والكبائر خروج دون خروج؛ ولذا سُمّي الكافر فاسقاً؛ لأنه خارج عن طاعة الله الخروج الأعظم، كقوله جل وعلا: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ} [البقرة: آية 26] وقد يطلق الفسق على خروج دون خروج، كالمرتكب لبعض الذنوب، كقوله: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} [الحجرات: آية 6].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015